وآرقُ حتى لو تكلفتُ عدها ... لأحصيتها، في ليلتي، كلَّ ما عدا
فيا ويلتي كم ذا العذابُ الذي أرى ... أبعدَ خرجِ الروحِ تلعقني شهدا
وله أيضاً:
يا صديقي بالأمسِ صرتَ عدواً ... سؤتني ظالماً، ولم ترَ سوا
صرتَ تغري بيَ الهمومَ، وقد كن ... تَ لقلبي، من الهمومِ، سلوا
أيُّ واشٍ وشى، وأيُّ عدوٍّ ... نمَّ حتى نبوتَ عني نبوا
كلما ازددتُ ذلةً لك في الح ... بِّ، تزايدتَ جفوةً وعتوا
وله أيضاً:
يمضي الأمورَ على بديهتهِ ... فيعمُّ شاهدها، وغائبها
فتريه فكرتهُ عواقبها ... فيظلُّ يوردها، ويصدرها
وله أيضاً:
سلكتَ بي منهجاً أعيت صوادرهُ ... فلستُ أدري، أأمضي فيهِ، أم أقفُ
كان سعيد بن حميد كاتباً مجيداً، وشاعراً مفلقاً، وكان كلامه عذباً، ومعانيه حلوة. فمن مختار شعره الذي كتب به إلى بعض إخوانه في عتاب:
أقللْ عتابكَ، فالبقاءُ قليلُ ... والدهرُ يعدل مرةً، ويميلُ
لم أبكِ من زمنٍ ذممت صروفهُ ... إلا بكيتُ عليهِ حين يزولُ
ولكلِّ نابيةٍ ألمت مدةٌ ... ولكلِّ حالٍ أقبلتْ تحويلُ
وأراكَ تكلفُ بالعتابِ، وودنا ... صافٍ، عليه من الوفاءِ دليلُ
ولعلَّ أيام الحياةِ قصيرةٌ ... فعلامَ يكثرُ عتبنا ويطولُ
وأما قوله: لم أبك من زمن ذممت صروفه فمأخومذ من قول القائل:
ربَّ دهرٍ بكيتُ منه، فلما ... صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليهِ
ومن قول الآخر:
عتبتُ على سلمٍ، فلما فقدتهُ ... وجربتُ أقواماً، بكيتُ على سلمِ
وقول الآخر:
كم من أخٍ يتشكى من خلائقهِ ... ناسٌ عليه، وتبكيهِ إذا بانا
وقول محمود الوراق:
لم أبكِ من خبثِ دهرٍ ... إلا بكيتُ عليهِ
وقوله:
ولعلَّ أيام الحياةِ قصيرةٌ ... فعلامَ يكثرُ عتبنا ويطولُ
فهو من قوله:
العمرُ أقصرُ مدةً ... من أن يصرمَ بالعتابِ
وقول الآخر في الحث على العتاب:
إذا كنتَ لا تعتبُ ... ولا أنا أستعتبُ
تطاولَ هجراننا ... وأيامنا تذهبُ
وقال أيضاً:
نقضت لباناتي، وأعتبتُ عاذلي ... فلم يبقَ من أيامِ لهوي سوى الذكرِ
وأصبحتُ قد ودعت ما كنت آلفاً ... كذلكَ أحكامُ الحوادثِ والدهرِ
إذا كنتُ قد أيقنتُ أني راحلٌ ... وقصرتُ في زادِ الرحيلِ، فما عذري
ولسعيد بن حمي أيضاً:
قل لمن شطَّ المزارُ بهِ ... ليتَ شعري عنكَ ما خبركْ؟
أعلى حفظٍ لحرمتنا ... أمْ عفى من ودنا أثركْ
لو تكون الدارُ دانيةً ... نمَّ بالمكتومِ لي نظركْ
وهذا أيضاً قد إشترك الشعراء فيه، غير أن سعيداً دققه. وهو من قول الآخر:
لا شاهدٌ عندي على غائبٍ ... أعدل من طرفٍ على قلبِ
وقال الآخر:
تخبركَ العينُ بكلِّ الذي ... في القلبِ من من بغضٍ، ومن حبِّ
وقال الآخر:
إنَّ العيونَ تدلُّ بال ... نظر الملحِّ على الدخيلِ
إما على حبٍّ شدي ... دٍ، أو على بغضٍ وبيلِ
وقال آخر:
وأعرفُ منها في الحبِّ لين طرفها ... وأعرفُ منها البغضَ بالنظرِ الشزرِ
وقال آخر:
إنَّ العيونَ لتبدي في تقلبها ... ما في الضمائر من بغضٍ، ومن ومقِ
إذا وددنَ امرءاً، أو حزنَ بغضتهُ ... أفضى الضميرُ بما تهوى إلى الحدقِ
وقال سعيد بن حميد:
قربتَ، وما ترجو اللقاءَ، ولا ترى ... لنا حيلةً يدنيكَ منا احتيالها
وأصبحتَ كالشمسِ المنيرةِ، ضوؤها ... قريبٌ، ولكن أين منكَ منالها
كطاعنةٍ ضنتْ بها غربةُ النوى ... علينا، ولكن قد يلمُّ خيالها
تقربها الآمالُ، ثمَّ تعوقها ... مماطلةُ الدنيا بها، واعتلالها
أخذ هذا المعنى بعضهم، فقال:
كالشمسِ مخلوعٌ عليك شعاعها ... أبداً، وليس لقاؤها لكَ هينا
وقال ابن عيينة:
فقلتُ لأصحابي هي الشمسُ، ضوءها ... قريبٌ، ولكن في تناولها بعدُ
وقال العباس بن الأحنف:
لعمري لقد جلبتْ نظرتي ... إليكِ على بلاءً طويلا