ومما يسحسن له من المراثي قولهك
لئنْ كنتَ ملىً للعيون، وقرةً ... لقد صرتَ قرحاً للقلوب ِالصحائحِ
وهونَ ما بي أنَّ يومكَ مدركي ... وأني غداً من أهلِ تلكَ الضرائحِ
أخذ هذا البيت من دريد بن الصمة في قوله يرثي أخاه:
وهونَ وجدي أنما هو فارطٌ ... أمامي، وني واردُ اليومِ، أوغدِ
وأخذه الآخر فقال:
وهون ما ألقى من الوجدِ أنني ... مجاوره في قبرهش اليومَ أو غدا
وقال إبراهيم في إخوانه:
يا منْ رمانيَ لما ... رأى الزمانَ رماني
ومنْ ذخرتُ لدهري ... فصارَ ذخرَ الزمانِ
لو قيل لي: خذْ أماناً ... من أعظم الحدثانِ
لما التمستُ أماناً ... إلا من الأخوانِ
وله أيضاً:
بلوتُ الزمانَ، وأهلَ الزمانِ ... وكلٌ بلومٍ وذمٍ خليقُ
وله أيضاً:
دعوتكَ عن بلوى ألمتْ صروفها ... وقدرتُ من ضغنٍ عليَّ سعيرها
وإني إذا أدعوكَ عندَ ملمةٍ ... كداعيةٍ، بينَ القبورِ، نصيرها
وله أيضاً:
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمسٍ إطفاءَ نارٍ بنافخِ
أخذه من قوله:
والمستعينَ بعمروٍ عند شدتهِ ... كالمستغيثِ من الرمضاءِ بالنارِ
وله أيضاً:
لئنْ صدرت بي زورةً عن محمدٍ ... بمنعٍ، لقد فارقتهُ ومعي قدري
أليستْ يداً عندي لمثلِ محمدٍ ... صيانته عن مثل معروفهِ شكري
وله أيضاً:
منْ يشتري مني إخاءَ محمدٍ ... بلْ منْ يريدُ إخاءهُ مجانا
بلْ منْ يخلصُ من إخاءِ محمدٍ ... ولهُ مناهُ كائناً من كانا
وله أيضاً:
كانَ إخاءٌ، فصارَ لي أملاً ... فبتُّ بين الرجاءِ والأملِ
تصبحُ أعداؤهُ على ثقةٍ ... منهُ، وأخوانهُ على وجلِ
وله ايضاً:
ولربَّ خدنٍ كانَ إنْ ... عدَّ الصديقُ، يعدُّ وحدهْ
رفعتهُ عيني رتبةً ... فذممتُ خلتهُ وعهدهْ
فالدهرُ كم من صاحبٍ ... إبتزنيهِ، ثمَّ ردهْ
وكتب إبراهيم إلى إسحاق بن إبراهيم:
ولي ثناءانِ فاخترْ، والخيارُ لمن ... في مثلك أنْ لا تأخذ الفينا
واعلمْ بأنكَ ما أسديتَ من حسنٍ ... أو سيءٍ، أبداً، أوفيتكَ الثمنا
وكتب لرجل طلب شفاعته إلى عانمل السند، وركب في البحر:
إن امرءاً رحلتْ إليكَ به ... في البحرِ بعضُ مراكبِ البحرِ
تجري الرياحُ به فتحملهُ ... وتكفُّ أحياناً، فلا تدري
ويرى المنيةَ كلما عصفتْ ... ريحٌ به للهولِ، والذعرِ
للمستحقِّ بأنْ تزودهُ ... كتبَ الأمانِ له من الفقرِ
وكتب لأبي الهذيل المتكلم إلى أحمد بن يوسف:
إنَّ الضميرَ، متى سألتك حاجةً ... لأبي الهذيل، خلافُ ما أبدي
فألنْ له كنفاً ليحسنَ ظنهُ ... في غير منفعةٍ، ولا رفدِ
وامنعهُ دفعَ اليأسِ، ثمَّ امددْ لهُ ... حبلَ الرجا بتخلفِ الوعدِ
حتى إذا طالتْ شقاوةُ جدهِ ... بترددٍ، فأجبهُ بالردِ
ثم ختم الرقعة. وكان أبو الهذيل قد كف بصره، فلما خرج من عنده دفعها إلى من قرأها. فلما سمع ما فيها رجع إلى إبراهيم، فقال: ما هذا؟ قال: وما أنكرت؟ قال: كل ما كتبت. قال: يا ابا الهذيل أنت متكلم، والذي كتبت إليه كذلك، و، ما قلت:
إنَّ الضميَر متى سألتكَ حاجةً ... لأبي الهذيل، خلافُ ما أبدي
فأبديت فيك المكروه، وضميري على خلافه، فإذا وقف على ما كتبت عاملك بخلاف ظاهره، فبرك وأكرمك، وأحسن سراحك. فانقطع أبو الهذيل.
وله في مغنية:
وغريرةٍ لما تغنت خلتنا ... وكأننا، مما ننودُ، يهودُ
تمتْ محاسنها، وساعدَ صوتها ... إذ رجعتهُ زميرها والعودُ
وكأننا في الخلدِ نسقى قهوةً ... مشمولةً، وكأنها داودُ
وله أيضاً:
أما من معينٍ لصبٍّ حزينِ ... كثير الأنينِ، طويلِ الحنينِ
وقد أثرَ الحزنُ في خدهِ ... أخاديدَ تجري بماءِ الشؤونِ
عدوِّ الرقادِ، صديقِ السهادِ ... صحيحِ الجفونِ، قريحِ الجفونِ
أخي زفراتٍ، تأوبنهُ ... صباحَ، مساءَ لريبِ المنونِ
وله أيضاً:
نجومَ سماءِ الله تشهدُ أنني ... إذا رقدَ العشاقً، أكلأها فردا