صدفة الْحَبْس لجهل النَّاقِد {رب السجْن أحب إِلَيّ} فَلَمَّا ضَاقَ قفص الْحصْر على بلبل الطَّبْع ترنم بِصَوْت {اذْكُرْنِي} فَعُوقِبَ بإيثاق بَاب {فَلبث فِي السجْن} فَلَمَّا آن أَوَان الْفرج خرج إِلَى الْملك
هَذَا وَيَعْقُوب مفترش فرَاش الأسى على حزن الْحزن لَا يستلذ نوما وَلَا سنة ثَمَانِينَ سنة حَتَّى نحل الْبدن وَذهب الْبَصَر
(لم يبْق لي بعدكم رسم وَلَا طلل ... إِلَّا وللشوق فِي حَافَّاته عمل)
(إِذا شممت نسيما من بِلَادكُمْ ... فقدت عَقْلِي كَأَنِّي شَارِب ثمل)
فَلَمَّا عَم عَام الْقَحْط أَرض كنعان خرج أخوته لطلب الْميرَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي ظلام ظلمهم فَرَآهُمْ الْمَظْلُوم بِعَين {لتنبئنهم} وخفى عَلَيْهِم نعْمَة {اقْتُلُوا يُوسُف} فاقبل عَلَيْهِم سَائِلًا وَاقْبَلْ الدمع سايلا وتقلقل تقلقل الْوَاجِد ليسمع أَخْبَار الْوَالِد
(أيه أَحَادِيث نعْمَان وساكنه ... إِن الحَدِيث عَن الأحباب أسمار)
(أفتش الرّيح عَنْكُم كلما نفحت ... من نَحْو أَرْضكُم نكباء معطار)
فَقَالُوا جِئْنَا من أَرض كنعان وَلنَا شيخ يُقَال لَهُ يَعْقُوب وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا سمع رِسَالَة أَبِيه انتفض طَائِر الوجد لذكر الحبيب
(وداع دَعَا إِذْ نَحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الْفُؤَاد وَمَا يدْرِي)
فَرد السَّلَام قلبه قبل لِسَانه وشغله وكف شانه عَن شانه وَقَالَ مقول إبدائه بِعِبَارَة صعدائه
(خذي نَفسِي يَا ريح من جَانب الْحمى ... فلاقي بِهِ لَيْلًا نسيم ربى نجد)
(فَإِن بِذَاكَ الجو حبا عهدته ... وبالرغم مني أَن يطول بِهِ عهدي)
ثمَّ انه طلب آخاه فاحتالو بِحجَّة منع منا الْكَيْل فَلَمَّا حملُوا حَال بَينهم وَبَينه بحيلة {جعل السِّقَايَة} فَلَمَّا دخل وَقت التُّهْمَة {أذن مُؤذن}