مَا نَالَ الصالحون مَا نالوا إِلَّا بترك مَا نطلبه وَمَا نالوا كَانَت هممهم فِي طلب الْفَضَائِل تغلي فِي الْقُلُوب غليان مَا فِي الْقُدُور تخايل الْقَوْم لَذَّة الثَّوَاب فسهلت عَلَيْهِم مرارات الصَّبْر وتصوروا خُلُود الْأَبدَان فهان عَلَيْهِم بذل النُّفُوس جدوا فِي الْجد فَمَا سكنوا حَتَّى سكنوا الْجنَّة وراحة الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا صفر من رَاحَة فَلَو رَأَيْتهمْ فِي الْجنان يسرحون منطلقين فِي أغراضهم يمرحون لَا يَدْرُونَ بِأَيّ مَطْلُوب يفرحون أبالنجاه من النيرَان أم بالخلود فِي الْجنان أم بالخيرات الحسان أم برضى المليك الديَّان لقد نالوا بالمراد مَا لم يكن فِي الحسبان من تلمح جولان مُضْمر الصَّبْر فِي لذيذ الْعَافِيَة وفرحة الْمُفطر بعد انصاب الصَّوْم وَتَنَاول العذب بعد عَذَاب الظما وسلامة الغريق بعد الإغراق فِي أَذَى الْأَذَى وخلاص التَّجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على بَاب الطول بعد طول الْفِرَاق راى من قُوَّة قُرَّة الْعين مَا لَا يدْخل تَحت قِيَاس بعد أَن حدق ياس وَقد وَصفنَا مَا حصل للْقَوْم وَجُمْلَة المبذول من الثّمن {بِمَا صَبَرْتُمْ}
(قف بالمحصب واسئل أَيهَا الرجل ... تِلْكَ الرسوم عَن الأحباب مَا فعلوا)
(فَمَا اسائل عَن آثَارهم أحدا ... إِلَّا أجَاب غراب الْبَين قد رحلوا)