وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران وَلما كَانَ يختلس قوته خوفًا من اصطياده جعل منقاره صلبا لِئَلَّا ينسحج وَلم يخلق لَهُ أَسْنَان لِأَن زمَان الإنتهاب لَا يحْتَمل المضغ وَجعلت لَهُ حوصلة كالمخلاة فينقل إِلَيْهَا مَا يستلب ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى القانصة فِي زمَان الْأَمْن فَإِن كَانَت لَهُ فراخ أسهمهم قبل النَّقْل كلما طَالَتْ سَاق الْحَيَوَان طَال عُنُقه ليمكنه تنَاول طعمه من الأَرْض هَذَا طَائِر المَاء لَا يقف إِلَّا فِي ضحضاح فيتأمل مَا يدب فِي المَاء فَإِذا رأى مَا يُرِيد خطا خطوَات على مهل فَيتَنَاوَل وَلَو كَانَ قصير القوائم كَانَ حِين يخطو يضْرب المَاء ببطنه فيهرب الصَّيْد هَذِه العنكبوت تبني بَيتهَا بصناعة يعجز عَنْهَا المهندس إِنَّهَا تطلب زَاوِيَة فَجعلت فِيهَا خيطا ووصلت بَين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الْجَانِبَيْنِ فَإِذا احكمت المعاقد ورتبت الْقسْط كالسدى أخذت فِي اللحمة فيظن الظَّان أَن نسجها عَبث كلا إِنَّهَا تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذُّبَاب والبق فَإِذا أتمت النسج إنزوت إِلَى زَاوِيَة ترصد رصد الصَّائِد فَإِذا وَقع صيد قَامَت تجني ثمار كسبها فتغتذي بِهِ فَإِذا أعجزها الصَّيْد طلبت زَاوِيَة ووصلت بَين طرفيها بخيط ثمَّ علقت بِنَفسِهَا بخيط آخر وتنكست فِي الْهَوَاء تنْتَظر ذُبَابَة تمر بهَا فَإِذا دنت مِنْهَا دبت إِلَيْهَا واستعانت على قَتلهَا بلف الْخَيط على رجلهَا أفتراها علمت هَذِه الصَّنْعَة بِنَفسِهَا أَو قرأتها على بعض جِنْسهَا أَفلا ينظر إِلَى حِكْمَة من علمهَا وتثقيف من ألهمها
فَإِن لم يكن لَك نظر يُعْجِبك مِنْهَا فيعجب من عدم تعجبك فَإِن أعجب أَفعَال الْقدر {وأضله الله على علم} الْقلب جَوْهَر فِي مَعْدن الْبدن فاكشف عَنهُ بمعول المجاهدة وَلَا تطينه بِتُرَاب الْغَفْلَة رميت صَخْرَة الْهوى على ينبوع الفطنة فاحتبس المَاء إنقب تحتهَا إِن لم تطق رَفعهَا لَعَلَّ الجرف ينهار
(فِي قربنا نيل المنى ... فتنبهوا يَا غافلينا)
(عجبا لقوم أَعرضُوا ... عَنَّا وَقوم واصلونا)