الهمم تَتَفَاوَت فِي جَمِيع الْحَيَوَانَات العنكبوت من حِين يُولد ينسج لنَفسِهِ بَيْتا وَلَا يقبل منَّة الْأُم والحية تطلب مَا حفره غَيرهَا إِذْ طبعها الظُّلم الْغُرَاب يتبع الْجِيَف والأسد لَا يَأْكُل البايت الْكَلْب ينضنض لترمى لَهُ لقْمَة والفيل يتملق حَتَّى يَأْكُل للصَّيْد كلاب وللمدبغة كلاب أَيْن الإنفة النَّحْل يغْضب فيترضى من لجاج والخنفساء تطرد فتعود الأختبار يظْهر جَوَاهِر الرِّجَال بعثت بلقيس إِلَى سُلَيْمَان هَدِيَّة لتسبر بهَا قدر همته فَإِن رأتها قَاصِرَة علمت أَنَّهَا لَا تصلح للمعاشرة وَإِن رأتها عالية تطلب مَا هُوَ أَعلَى تيقنت أَنه يصلح
يَا هَذَا الدُّنْيَا هَدِيَّة بلقيس فَهَل تقبلهَا أَو تطلب مَا هُوَ أنفس وَيحك أحسن مَا فِي الدُّنْيَا قَبِيح لِأَنَّهُ يشغل عَمَّا هُوَ أحسن مِنْهُ أَتَرَى لَو ابتليناك بترك عَظِيم كَيفَ كنت تفعل إِنَّمَا رددناك عَن دنس ومنعناك من كدر ثمَّ مَا علمت أَن الثَّوَاب على قدر الْمَشَقَّة وَيحك إِن الأرباح الْكَثِيرَة فِي الْأَسْفَار الْبَعِيدَة الصَّبْر والهوى ضرتان فاختر إِحْدَى الضرتين فَمَا يُمكن الْجمع من دَامَ بِهِ الْخمار فِي ديار الْهوى لم يفتح عَيْنَيْهِ إِلَّا فِي منَازِل البلى من غرق بنهر الْمُعَلَّى طفا تَحت الْبَلَد وَاعجَبا أعدم نظر الْعقل بِمرَّة أَو بِعَيْنِه رمد لَو قيل لَك ارْمِ ثَوْبك على هدف مرمى لم تفعل إشفاقا عَلَيْهِ وَهَذَا دينك فِي عرض عرضك قد تمزق من نبل الْهوى لَو قيل زد فِي النفقه خفت على المَال وَقد حفت فِي إِنْفَاق الْعُمر على معشوق البطالة رميت يُوسُف قَلْبك فِي جب الْهوى وَجئْت على قَمِيص الْأَمَانَة بِدَم كذب وَيحك كلما أوغلت فِي الْهوى زَاد التعرقل وَيحك مَا يُسَاوِي النّصاب الْمَسْرُوق قطع الْيَد مَجْلِسنَا بَحر والفكر غواص يسْتَخْرج الدّرّ ومراكب الْقُلُوب تسير إِلَى بلد الْوَصْل وَأَنت تقف على السَّاحِل {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} إِن قَعْر جَهَنَّم لبعيد وَلَكِن همتك أَسْفَل مِنْهُ خنقنا دُخان التخويف افتحوا للرواح
(إِلَى كم عتاب يسد الفضا ... سَلام عَلَيْكُم مضى مَا مضى)