على فرض صحّتها التصريح بنزول الآيتين عن طريق التكليم.
وأيضا فالإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بمكة، وسورة البقرة كلها مدنية، فكيف تنزل خواتيمها بمكة!
وأما حديث «عدي بن ثابت» الذي أخرجه ابن أبي حاتم، فليس فيه أن الله أنزل هذه الآيات وإنما كل ما فيه: التمنن عليه بالمنن التي ذكرت في هذه الآيات، ولا سيّما وألفاظ الحديث مغايرة للنص القرآني للآيات، مما يستبعد معه أن تكون الآيات نزلت في هذا التكليم، والظاهر أن السورتين نزلتا قبل ذلك؛ لأن التمنن إنما يكون بأمر معروف معلوم للمخاطب.
فالحق ما قاله الإمام السيوطي أولا، وهو أنه ليس في القرآن من هذا النوع شيء.
والذي نقطع به- والله أعلم- أن القرآن الكريم كله نزل في الحالة الأولى، وهي الحالة التي يكون فيها جبريل على ملكيته، وتحول النبي صلى الله عليه وسلم من البشرية إلى الملائكية، وهذا هو الذي يليق بالقرآن الكريم، ونفي أي احتمال، أو تلبيس في تلقيه، ولم أقف قط على رواية تفيد نزول شيء من القرآن عن طريق جبريل، وهو في صورة رجل، وكل ما جاء من ذلك في الأحاديث الصحاح كحديث جبريل المشهور وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة وأشراطها، فإنما هو في وحي السنة لا في وحي القرآن.
نعم هناك قرائن لا تصل إلى حد الأدلة تدل على نزول القرآن بالطريق الأول، فمن ذلك قول الله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) [المزمل: 5] أي ثقيلا تلقيه، وثقيلا علمه، وذلك إنما يكون في الحالة التي تسود فيها الملائكية عند تلقي الوحي، وقيل: ثقيلا العمل به، والقيام بفرائضه وحدوده، وقيل: ثقيل من الوجهين معا.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عباس في قوله