وكان القرآن شغل النبي الشاغل في صلاته، وتهجده، وفي سره وعلانيته، وفي حضره، وسفره، وفي وحدته، وبين صحابته، وفي عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، ولا يغيب عن قلبه، ولا يألوا جهدا في تعهده وتكراره والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والاعتبار بمواعظه، وقصصه، والتأثر بأمثاله، وحكمه، والتأدب بآدابه، وأخلاقه وتبليغه إلى الناس كافة.
كما كان أعلم الناس بأسباب نزوله، ومواقع تنزلاته، ومدلول خطاباته وأحكامه وآدابه، وحدوده، ومعالمه، وظاهره، وباطنه، فمن ثم كان أشد الناس حفظا له، وإجادة لقراءته، ومعرفة لحروفه، وقراءاته، وكان المرجع الأول للمسلمين في حفظ القرآن، وفهمه، والوقوف على معانيه، وأسراره ومراميه والتثبت من نصوصه، وحروفه وقراءاته.
ومن خصائص هذا الكتاب السماوي الكريم أن الله عز وجل كلف الأمة الإسلامية بحفظه كله بحيث يحفظه عدد كثير يثبت بهم التواتر المفيد للقطع واليقين على هذا الوضع، وبهذا الترتيب الذي وجد، ويوجد في المصاحف العثمانية من لدن الصحابة إلى اليوم، فإن لم يحفظه عدد يثبت بهم التواتر أثمت الأمة كلها.
بخلاف التوراة والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم، وموسى، وغيرها مما أنزله الله تبارك وتعالى، فلم تكلف أممها بحفظها عن ظهر قلب، بل ترك ذلك لاختيار من يريد، فمن شاء حفظ، ومن شاء اعتمد في القراءة على المكتوب، وهذا الأخير هو الأعم الأغلب من شأن بني إسرائيل وغيرهم، ولم تتوفر الدواعي لحفظ هذه الكتب والصحف كما توفرت للقرآن الكريم.
فمن ثم لم يكن لها من ثبوت النص القطعي الموثوق به مثل ما للقرآن العظيم، ومن هنا سهل التحريف، والتبديل في التوراة والإنجيل من