قوله تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5).
ثم فتر الوحي مدة كي يشتاق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد فترة الوحي نزل القرآن، وتتابع، وكان أول آيات نزلن بعد هذه الفترة صدر سورة المدثر إلى قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) [المدثر 5].
ثم حمى الوحي وتتابع حتى نزول القرآن كله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بواحد وعشرين يوما، وقيل: بأحد عشر يوما، وقيل: بتسع ليال، وكان آخر ما نزل على الصحيح هو قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن، وحريصا على تلقفه من جبريل عليه السلام حتى بلغ من شدة عنايته به، وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه أكثر من المعتاد عند قراءته، ويعالجه أشد المعالجة حتى كان يجد من ذلك شدة، يقصد بذلك استعجال حفظه خشية أن تفلت منه كلمة، أو يعزب عنه حرف حتى طمأنه ربه، ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يقرئه لفظه، وأن يفهمه معناه فأنزل عز شأنه قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) [القيامة: 16 - 19] أي: جمعه لك في صدرك، وإقراءه لك بوساطة أمين الوحي جبريل، فإذا قرأه جبريل فأنصت، حتى إذا فرغ، فاقرأ عليه ما سمعت منه.
ثم إنا سنتكفل لك أيضا ببيان تفسيره، وتوضيح ما أجمل منه، وإزالة إشكال ما عسى أن يستشكل منه، وهو ضمان من الله- عز وجل- بأنه لن يخشى النسيان، أو أن تتفلت منه كلمة أو حرف، وقد ورد تفسير هذه الآيات عن ابن عباس (?) رضي الله عنهما.