لم يعرف التاريخ في عمره الطويل كتابا أحيط بسياجات من العناية والرعاية مثل ما عرف ذلك للقرآن الكريم، ولا كتابا ثبت في جملته وتفصيله بالتواتر المفيد للقطع واليقين مثل ما عرف ذلك للقرآن الكريم، ولا كتابا أوجب الله حفظه على الأمة كلها غير القرآن الكريم، ولا كتابا سلم من التحريف والتبديل غير القرآن الكريم.
وقد احتاط النبي صلوات الله وسلامه عليه، والصحابة رضوان الله عليهم لهذا الكتاب غاية الاحتياط، فلم يكتفوا بحفظه في الصدور، وعلى صفحات القلوب، وإنما جمعوا إلى الحفظ الكتابة في الرقاع، والعسب، والأكتاف، واللخاف ونحوها، ثم في الصحف ثم في المصاحف كما بينت ذلك فيما سبق من الفصول، وبذلك اجتمع للقرآن الوجودان: الوجود في الأذهان والصدور، والوجود في الكتابة والصدور.
ولم يكن المعول عليه في حفظ القرآن وتلقيه الأخذ من الرقاع، والصحف، والمصاحف، وإنما كان المعول عليه الأول التلقي الشفاهي، والأخذ بالسماع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ عن أمين الوحي جبريل عليه السلام، وعن النبي أخذ الكثير من الصحابة النجباء، العدول، الضابطين الأمناء، وعن الصحابة أخذ الألوف من التابعين الفضلاء، وهكذا نقله العدد الكثير، عن العدد الكثير، حتى وصل إلينا كما أنزله الله من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تغيير، ولا تحريف مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وقد كان من أسباب توثيق النص القرآني، حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وحفظ الصحابة له.
قلنا فيما سبق أن أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي صدر سورة اقرأ إلى