المصاحف على هيئة ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرج أبو عبيد، عن النخعي أنه كره نقط المصاحف وأخرج ابن أبي داود عنه أنه كان يكره العواشر، والفواتح، وتصغير المصحف وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا، ولما أتي بمصحف مكتوب فيه سورة كذا، كذا آية قال: امح هذه فإن ابن مسعود كان يكرهه، وعن الإمام مالك أنه كره العشور التي تكون في المصحف بالحمرة وغيرها، وعنه أنه قال: لا بأس بالنقط في المصاحف التي يتعلم فيها الغلمان، أما الأمهات فلا.
ولكن الحال قد تغيرت عما كان في العهد الأول: فاضطر المسلمون إلى نقطه وشكله للمحافظة على القرآن من اللحن والتغيير والتصحيف، وللتيسير على الحفاظ والقارئين، وبعد أن كانوا يكرهون ذلك صار واجبا أو مستحبا، لما هو مقرر في علم الأصول من أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، قال الإمام النووي في التبيان ما نصه: قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرها ذلك في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم، فلا منع، ولا يمنع من ذلك لكونه محدثا، فإنه من المحدثات الحسنة فلا يمنع منه كنظائره، مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات، وغير ذلك والله أعلم والخطب في هذا ونحوه مثل التنبيه على الوقوف والسكتات سهل ما دام الغرض هو التيسير والتسهيل على القارئ، وما دام الأمر بعيدا عن اللبس والتزيد والاختلاق وما دام الأمن متوفرا.
لا يكاد التاريخ الصادق يعرف كتابا أحيط بهالة من التقديس والتكريم مثل ما عرف ذلك للقرآن الكريم، ولا عجب فقد وصفه الحق جل وعلا بأنه كتاب مكنون، وحكم بأنه لا يمسه إلا المطهرون، وأقسم على ذلك حيث يقول: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ