كما علمت فخص الشكل بالحركات، والإعجام بالنقط.
ولم تكن المصاحف منقوطة في مبدأ الأمر؛ لأن الاعتماد لم يكن على القراءة من المصحف، بل كان على التلقي والسماع، ولتبقى صورة الكلمة الواحدة في الخط صالحة لكل ما صح وثبت من وجوه القراءات، ولما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء أخرجه أبو عبيد وغيره.
وقد اختلف المؤرخون في النقط: فمنهم من يرى أن الإعجام كان معروفا قبل الإسلام لتمييز الحروف المتشابهة، غير أنه ترك عند كتابة المصاحف لما ذكرنا، ومنهم من يرى أن الإعجام لم يعرف إلا من طريق أبي الأسود الدؤلي، ثم اشتهر ووضع في القرآن في عهد عبد الملك بن مروان والظاهر الأول، لأنه يبعد جدّا أن لا يكون للحروف علامات تميز المتشابهات بعضها عن بعض. ومهما يكن من شيء فقد اشتدت الحاجة إليه حينما اتسعت رقعة الإسلام، واختلط العرب بالعجم، وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف، حتى ليشق على الكثير منهم أن يميزوا بين حروف القرآن وقراءاته في مثل قوله تعالى: ننشرها ونُنْشِزُها وقوله: فَتَبَيَّنُوا فتثبتوا فاهتم عبد الملك بن مروان بذلك وأمر الحجاج أن يعنى بهذا الأمر الجليل، فاختار الحجاج له رجلين من خيرة المسلمين نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، تلميذي أبي الأسود الدؤلي، وكانا من الورع والصلاح؛ وبلوغ الغاية في العربية، والقراءات بمكان، فوضعا النقط من واحدة إلى ثلاث للحروف المتشابهة، وكان في هذا توفيق عظيم للأمة إلى هذا العمل الذي يتوقف عليه حفظ القرآن الكريم.
وقيل أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وأن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر، ويمكن التوفيق بين هذا وما تقدم بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف بصفة شخصية، وتبعه في ذلك ابن سيرين، وأما عبد الملك فأول من أمر بنقط المصحف بصفة عامة رسمية شاعت