وبعده:

فلعلك رأيت معي أن هذه الشبه وأمثالها أوهى من بيت العنكبوت فلا تلق إليها بالا، ولعلك ازددت يقينا بأن القرآن كما هو في المصاحف اليوم، هو هو ما أنزل على نبينا محمد، وأن كل ما يخالف هذا المتواتر القطعي فهو مردود باطل، وأن القرآن لا يثبت برواية آحادية، ولو بلغت أعلى درجات الصحة، فكن على ذكر من كل ذاك، ثبتنا الله وإياك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

(شكل القرآن)

الشكل: هو ما يدل على عوارض الحرف؛ من حركة وسكون، سواء أكان ذلك في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، قال في القاموس مادة شكل: والكتاب أعجمه كأشكله؛ كأنه أزال عنه الإشكال أي: وشكل الكتاب ولا شك أن ما يميز الحرف من جهة كونه متحركا أو ساكنا يزيل إبهامه، وإشكاله، فبين المعنى اللغوي والاصطلاحي مناسبة

ظاهرة.

وقد اتفق المؤرخون على أن العرب في عهدهم الأول لم يكونوا يعرفون الشكل بمعناه الاصطلاحي بل كانوا ينطقون بالألفاظ مضبوطة مشكولة بحسب سليقتهم وفطرتهم العربية من غير لحن، ولا غلط، لما كان متأصلا في نفوسهم من الفصاحة والبلاغة، واستقامة ألسنتهم على النطق بالألفاظ المؤلفة على حسب الوضع الصحيح من غير حاجة إلى معرفة القواعد، ولذا لما كتبت المصاحف في العهد الأول جردت من الشكل والنقط، اعتمادا على هذه السليقة، وعلى أن المعول عليه في القرآن هو التلقي والرواية، فلم يكن بهم حاجة إلى الشكل، فلما اتسعت رقعة الإسلام واختلط العرب بالعجم فسدت الفطرة العربية، ودخل اللحن في الكلام، وحدثت حوادث نبهت المسلمين إلى القيام بحفظ القرآن الذي هو أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم من أن يتطرق إليه اللحن والخطأ، وكان قد ظهر في المسلمين من عرف أصول النحو وقواعده، وبرع في حفظ القرآن وقراءاته، أمثال أبي الأسود الدؤلي، ويحيى بن يعمر العدواني قاضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015