وإن أغلب ما ذكره «السيوطي» في مقدمة «الإتقان» من الكتب المؤلفة في هذا الفن لا يداني هذه المقدمة، بل بعضها لا يزيد عن فصل من فصولها فهي جديرة بأن تذكر في كتب هذا الفن، وهي- بحق- تعتبر محاولة جدية في التأليف في هذا العلم، ولا يغض من قيمتها أنها مقدمة لتفسير، فكتاب الإتقان الذي هو عمدة كتب الفن قد جعله مؤلفه مقدمة لتفسيره الكبير كما ذكر.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر: أن بعض المفسرين في القديم والحديث صدّروا كتبهم بمقدمات قيمة في «علوم القرآن»، لتكون مفتاحا لهذه التفاسير، ولا تزال إلى اليوم مرجعا للكاتبين في هذا الفن، وذلك كما فعل «ابن جرير الطبري» و «القرطبي» و «الآلوسي» في تفاسيرهم، ولعل أطول هذه المقدمات وأحفلها هي مقدمة تفسير القرطبي، وهي- على طولها- لا تبلغ ما بلغته هذه المقدمة في طولها، وتنوع موضوعاتها.
وبذلك أكون قد تقدمت بتاريخ هذا الفن نحو قرن ونصف من الزمان.
ويرى أستاذنا الشيخ «محمد عبد العظيم الزرقاني» - رحمه الله وأثابه- في كتابه «مناهل العرفان»: أن هذا الاصطلاح ظهر في مستهل القرن الخامس على يد «الحوفي» المتوفّى سنة 430 هـ في كتابه «البرهان في علوم القرآن»، والرأي عندي: أن هذا الكتاب لا يخرج عن كتب التفسير، التي تتعرض لذكر التفسير، وأسباب النزول والقراءات، والوقف والتمام، ولا فرق بين صنيعه وصنيع «القرطبي» و «الفخر الرازي» في تفسيرهما، فكتابه هذا أمس بالتفسير منه بعلوم القرآن، وإن كانت التسمية تشعر أنه بعلوم القرآن أمس، وقد ذكر- رحمه الله-: أن الجزء الأول مفقود، ولا أدري من أين عرف التسمية ولعله اعتمد على فهرس دار الكتب المصرية، وقد رجعت إلى كتاب «كشف الظنون» الجزء الأول ص 242 فتبين لي أن اسم الكتاب: «البرهان في تفسير القرآن» وبذلك زالت الشبهة في عدّه من علوم القرآن، وثبت أنه كتاب تفسير، وهو الحق والصواب، كما يعلم ذلك من يرجع إلى الأجزاء الموجودة من الكتاب.