: يحسن بنا قبل البحث في كتابة القرآن ورسمه أن نبين كيف كان حال الكتابة في مكة والمدينة قبل البعثة المحمدية، فنقول: يكاد يجمع المؤرخون على أن الخط دخل إلى مكة بوساطة حرب ابن أمية بن عبد شمس، وإن كانوا اختلفوا في المصدر الذي تعلم منه حرب بن أمية الكتابة، ففي رواية ابن الكلبي أن حربا تعلمها من بشر بن عبد الملك، أخي أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، ذلك أن حربا تعرف به في أسفاره إلى العراق، فتعلم منه الكتابة ثم قدم معه بشر إلى مكة وتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان، وبذلك تيسر لجماعة من قريش أن يتعلموا الكتابة والقراءة، وقد أخذ أهل العراق الكتابة عن أهل الأنبار، وأهل الأنبار تعلموا الخط من جماعة من عرب طيّء أخذوا الكتابة عن كاتب الوحي لسيدنا هود عليه السلام.
وفي رواية أبي عمرو الداني عن زياد بن أنعم عن ابن عباس أن حربا تعلم الخط من عبد الله بن جدعان، وعبد الله تعلم من أهل الأنبار، وأهل الأنبار تعلموا من طارئ طرأ عليهم من اليمن، وهذا الطارئ تعلم من الخلجان بن موهم وكان كاتب الوحي لهود نبي الله عن الله عز وجل، وبذلك وجد من يكتب بمكة قبل البعثة.
وأما الخط في المدينة المنورة فقد ذكر أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها وكان فيها يهودي يعلم الصبيان القراءة والكتابة، وكان فيها بضعة عشر رجلا يعرفون الكتابة منهم زيد بن ثابت، الذي تعلم كتابة اليهود بعد الهجرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والمنذر بن عمرو، وأبي بن وهب، وعمرو ابن سعيد وغيرهم.
ومن ثم نرى أن الكتابة وجدت في العرب قبل الإسلام، وكان الذين يحذقونها قليلين جدّا أما الغالبية العظمى فكانت أمية لا تقرأ ولا تكتب،