الترتيب توقيفيا لما اختلفت مصاحفهم في ترتيب السور؛ لكنها اختلفت؛ فمنهم من رتب على النزول كمصحف عليّ رضي الله عنه، كان أوله اقرأ، ثم المدثر، ثم ن، ثم المزمل، ثم تبت، ثم التكوير، ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
وأما مصحف ابن مسعود فكان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم يونس ... ، إلخ.
ومصحف أبي كان مبدوءا بالحمد، ثم بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم الأعراف، ثم المائدة .. إلخ، وأجيب عن هذا بأن الاختلاف لا يصلح أن يكون دليلا على أنه ليس توقيفيا؛ وذلك لأن مصاحفهم لم تكن مصاحف عامة، بل كانت مصاحف خاصة جمعت إلى القرآن بعض مسائل العلم والتأويل، وبعض المأثورات، فهي إلى كتب العلم والتأويل أقرب منها إلى المصاحف المجردة، لذلك لم يعتمد عليها عند جمع المصاحف في عهد عثمان، في زيادة أو نقص، وكذلك لم يعول عليها في الترتيب، أو يقال: إن اختلافهم كان قبل العلم بالتوقيف، فلما علموا تركوا ترتيب مصاحفهم واتبعوا ترتيب المصاحف العثمانية.
محاولة التوفيق بين الرأيين: وقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف بين الفريقين لفظيّا؛ لأن القائل بالثاني- الاجتهاد- يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته؛ ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم، مع قوله إن ترتيب السور باجتهاد فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي أو بمجرد استناد فعلي بحيث بقي لهم فيه مجال للنظر، وقد عقب عليه أبو جعفر بن الزبير فقال:
الآثار تشهد بأكثر ما نص عليه ابن عطية، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف كقوله: «اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران» رواه مسلم، وكحديث سعيد بن خالد قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة.