ترتيب آخر، فلو لم يكن الأمر توقيفيا لحصل من أصحاب المصاحف الأخرى المخالفة في الترتيب والتمسك بترتيب مصاحفهم، لكن عدولهم عنها وعن ترتيبها بل وإحراقها دليل على أن الأمر ليس للرأي فيه مجال، ولا يشترط أن يكون التوقيف بنص صريح، بل قد يكفي فيه الفعل أو الرمز والإشارة.
2 - بالآثار الواردة التي تدل على التوقيف منها؛ ما أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة الثقفي قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف ...
الحديث، وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طرأ عليّ حزبي فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه»، فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور، وحزب المفصل من ق (?) حتى نختم، فهذا يدل على أن ترتيب سور المفصل على ما هو في المصحف الآن كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن غاية ما يدل عليه هو ترتيب المفصل أما ما عداه فلا؛ لأنه عرض للتحزيب لا للترتيب.
3 - مما يدل على التوقيف كون الحواميم رتبت ولاء أي متتابعة، ولم ترتب المسبحات ولاء؛ بل فصل بين سورها بالمجادلة والممتحنة والمنافقون، كما فصل بين طسم الشعراء، وطسم القصص بطس النمل، مع أنها أقصر منها، فلو كان الترتيب اجتهاديا لما حصل الفرق بين المتماثلات من السور في الفواتح مع التناسب في الطول والقصر (?).
الرأي الثاني: أن الترتيب كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم ونسب هذا القول السيوطي إلى الجمهور وممن قال بهذا الإمام مالك وأبو بكر الطيب في أرجح قوليه، واستدل القائلون بهذا باختلاف ترتيب مصاحف الصحابة قبل الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه، فلو كان