بالأصول، فكان نهج القرآن معهم، وهو الملائم للفطر وبدائه العقول.
2 - كيف يصحّ في العقول أن يكون النبي والمسلمون قد أخذوا عن أهل الكتاب من اليهود وتثقّفوا بثقافتهم مع أن القرآن الكريم نعى عليهم في غير ما آية وسورة، كفرهم، وفسقهم، وجراءتهم على الله وسفاهتهم على رسله، وبين جحودهم للحق، وإنكارهم له مع معرفتهم وتحريفهم للتوراة، كما نعى عليهم حسدهم وظلمهم وبغيهم وسوء طويتهم، وخبث طباعهم، وخيانتهم وتضييعهم للأمانة، وعدم تناهيهم عن المنكر إلى غير ذلك مما لا يجهله من قرأ القرآن واطلع عليه، وقد لعن القرآن الكريم اليهود في غير موضع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم كما في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) [البقرة: 94]، وقوله قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران: 93].
فلو أن النبي أخذ عن أهل الكتاب، وتعلم منهم وتأثر بثقافتهم لأظهروا ذلك دفاعا عن أنفسهم، ولقالوا: كيف نعلمك وتسفهنا وترمينا بالكفر والفسق والكذب وكيف نثقّفك وتلعننا وتتطاول علينا
ولكنهم لم يفعلوا بل ألقموا حجرا وباءوا بالخزي والذلة والتشريد، وهكذا يتبين لنا أن موقف القرآن من اليهود كان موقف المعلم والناقد والناعي، والموبخ والمتحدي، لا موقف المتعلم والآخذ والمستفيد، وهو شيء يقتلع هذا الطعن من أساسه ويرمي به في مهامه الضلال والشكوك.
3 - أن الفرق بين التشريع الإسلامي الذي عرضت له السور المدنية والتشريع الإسرائيلي عظيم جدّا، فالإسلامي أرقى وأعلى وأشمل من الإسرائيلي من كل وجه، وناهيك بكونه تشريعا عاما لجميع البشر، وفي جميع الأزمنة والأمكنة، ومن أسسه المساواة في الحق والعدل بين جميع الشعوب والقبائل والأفراد، لا تمييز فيه بين ملك وسوقة،
ولا بين شريف ووضيع، ولا بين قويّ وضعيف، ولا بين غنيّ وفقير ولا بين إسرائيليّ