وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إلى قوله وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) فأيّ لين ووداعة بعد هذا وأي دعوة إلى الصبر والعفو والمغفرة تداني هذه الدعوة
وهكذا نرى القرآن الكريم يسلك مسلك الوعيد والشدة متى اقتضى المقام ذلك ويسلك مسلك اللين والعفو والصفح إذا اقتضى الحال ذلك، وهذا هو الأسلوب الحكيم، ويرحم الله القائل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ... فليقس أحيانا على من يرحم
والقائل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
3 - هذه السور والآيات التي ذكرها الطاعن ليس فيها رائحة سباب، ولو علم سبب النزول والمراد بالآيات لما رمى بهذه القولة الجائرة، وإليك ما ورد في سبب نزول سورة أبي لهب. أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي»، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ» قالوا: نعم؛ ما جربنا عليك إلا صدقا قال:
«إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) وأخرج ابن جرير أن امرأة أبي لهب كانت تأتي بأغصان الشوك فتطرحها في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل كانت تنقل الحديث وتمشي بالنميمة بين الناس؛ فالسورة إذا نزلت ردا على أبي لهب في دعائه على النبي، وإيذائه له، وإنذارا له ولزوجه بأنهما سيصليان النار الشديدة جزاء لهما على ما صنعا، ولا شك أن في هذا