ما ذكرنا من خلاف بين الجمهور وغيرهم إنما هو في لفظ له عموم ونزل على سبب خاص أما إذا كانت آية نزلت بسبب خاص ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا وقد مثل الإمام السيوطي في الإتقان (?) لذلك بقوله تعالى:
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) [الليل: 17 - 18] فإنها نزلت في أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- بالإجماع (?) قال: وقد استدل بها الإمام فخر الدين
الرازي مع قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم من ظن أن الآية في كل من عمل عمله إجراء له على القاعدة وهذا غلط، فإن هذه الآية ليست فيها صيغة عموم إذ الألف واللام- يعني قوله «الأتقى» - إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع، زاد قوم: أو مفرد بشرط أن لا يكون هناك عهد، واللام في «الأتقى» ليست موصولة، لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، والأتقى ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة فبطل القول بالعموم، وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه.
وبعض المفسرين يرى احتمال الآية للعموم مع قولهم: إنها نزلت في الصديق رضي الله عنه فتكون له ولغيره ممن هو على شاكلته وفسروا الأتقى بالتقي كما فسروا «الأشقى» وهو أمية بن خلف بالشقي فتشمله وتشمل غيره ممن يعمل بمثل عمله، ومن هو على صفته واستدلوا لقولهم هذا بقول طرفة ابن العبد:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد