البرهان: «قد ينزل الشيء مرتين؛ تعظيما لشأنه، وتذكيرا به عند حدوث سببه، وخوف نسيانه».
ومثال ذلك، ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به، فقال: «لأمثلن بسبعين منهم مكانك» فنزل جبريل- والنبي واقف- بخواتيم سورة «النحل» وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر السورة.
وأخرج الترمذي، والحاكم، عن أبيّ بن كعب قال: «لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله سبحانه: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا ...
[النحل: 126 - 128].
فالأولى: تفيد أن الآيات نزلت عقب أحد.
والثانية: تفيد أنها نزلت يوم الفتح، وبين أحد والفتح حوالي خمس سنين، فيبعد نزول الآيات عقبهما، مع التباعد في الزمن، وإذا، فلا مناص من القول، بتعدد النزول مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح.
وهذا على أن سورة «النحل» مكية إلا خواتيمها كما روي.
وقد ذهب البعض إلى أن سورة «النحل» كلها مكية بما فيها هذه الآيات، وعلى هذا الرأي تكون نزلت ثلاث مرات، مرة بمكة، ومرة ثانية عقب أحد، ومرة ثالثة يوم الفتح.
وفي هذا التكرار تذكير الله لعباده بما اشتملت عليه الآيات من الإرشادات والآداب العالية، وهي: تحري العدالة والإنصاف عند الانتصار للنفس، وكبح جماح شهوة التشفي والإسراف في الانتقام عند النصر والظفر بالأعداء، وضبط النفس عند الغضب، والتذرع بالصبر عند وقوع المكروه، والتحلي بسعة الصدر، وجمال التقوى في جميع الحالات.
وقد جعل «ابن كثير» و «ابن حجر» من هذا القسم آية الروح، وكأنهما لا