قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ... [الأنعام: 145] الآية، إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة، والمحادة، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلوى، فنقول له: لا آكل اليوم إلا حلوى، والغرض: المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به.
ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد: إثبات التحريم لا إثبات الحل، قال إمام الحرمين (?): «وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات، فيما ذكرته الآية، وهذا قد يكون من الشافعي أجراه مجرى التأويل».
معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وتعيين المبهم فيها، وفي ذلك إسناد الفضل لأهله، ونفي التهمة عن البريء الذي ألصق به ما هو براء منه، وذلك مثل ما روي عن السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنها ردت على «مروان بن الحكم» حينما اتهم أخاها «عبد الرحمن بن أبي بكر» بأنه الذي نزل فيه قوله تعالى: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ ... [الأحقاف: 17] الآية، وقالت:
«والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته» (?) رواه البخاري.
ومثل ما إذا عرفنا سبب النزول في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) [سورة البقرة: 207]