وقد رأيت في الآثار السابقة التي ذكرناها آنفا، أن آية الربا، وآية الكلالة من أواخر القرآن نزولا، بل آية وَاتَّقُوا يَوْماً ... نزلت بعد الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بأكثر من شهرين، فقد حددت رواية ابن أبي حاتم، أن نزولها كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال مما يجعلنا نقطع بأن الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ليس آخر القرآن نزولا، وأن هذا الزعم لا نصيب له من الصحة.
وقد يقول لي قائل: «وإذا كان الأمر كما ذكرت، فبم تفسر إذا إكمال الدين وإتمام النعمة.
والجواب أن للعلماء المفسرين في فهم الآية رأيين:
الأول: أن المراد بإكمال الدين يومئذ، هو إنجاحه، وإقراره، وإظهاره على الدين كله، ولو كره الكافرون، بفتح مكة، وإتمام حجهم الأكبر ولا شك أن الإسلام في حجة الوداع كان قد ظهرت شوكته وعلت كلمته، وأذل الشرك وأهله، وأجلي المشركون عن البلد الحرام، وانفرد المسلمون بالحج، والطواف بالبيت لم يشاركهم فيهما مشرك، فأي كمال بعد هذا وأي نعمة بعد تلك النعمة وإلى هذا الرأي ذهب العلامة ابن جرير الطبري في تفسيره حيث قال: «الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم، بإقرارهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه، حتى حجه المسلمون، لا يشاركهم المشركون»، ثم أيده بما رواه بسنده عن ابن عباس قال: «كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا، فلما نزلت «براءة» نفي المشركون من البيت، وحج المسلمون، لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، فكان من تمام النعمة وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وهذا الرأي في تفسير الآية لا ينفي نزول آيات بعدها في الحلال والحرام والوعظ والتذكير.
الثاني: أن المراد بإكمال الدين إكمال الأحكام، والحلال، والحرام