- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» .

فَأَرَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَجْعَلَ الرِّحْلَةَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " هِيَ الْأَصْلُ وَالْعُمْدَةُ وَمَا وَقَعَ بَعْدَهَا مِنْ النِّيَّاتِ فَتَبَعٌ لَهَا وَفَرْعٌ عَنْهَا تَحَفُّظًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَجْعَلَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَعًا فَيَكُونَ كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَدَحَ الرَّاكِبِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ لِقَضَاءِ مَآرِبِهِ مِنْ شُرْبٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ تَحْمِيلِ حَوَائِجِهِ كُلِّهَا عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا لَا فَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] انْتَهَى.

وَمِنْ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَجْعَلَهُ أَصْلًا وَمَتْبُوعًا لَا فَرْعًا تَابِعًا.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ لَهُ: وَالنِّيَّةُ وَالْعَمَلُ بِهِمَا تَمَامُ الْعِبَادَةِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ جُزْأَيْ الْعِبَادَةِ لَكِنَّهَا خَيْرُ الْجُزْأَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْجَوَارِحِ لَيْسَتْ مُرَادَةً إلَّا لِتَأْثِيرِهَا فِي الْقَلْبِ لِيَمِيلَ إلَى الْخَيْرِ وَيَنْفِرَ عَنْ الشَّرِّ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَضْعَ الْجَبْهَةِ، بَلْ خُضُوعَ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَأَثَّرُ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الزَّكَاةِ إزَالَةَ الْمِلْكِ، بَلْ إزَالَةَ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ، وَهُوَ قَطْعُ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ مِنْ الْمَالِ.

ثُمَّ قَالَ فَاجْتَهِدْ أَنْ تُكْثِرَ مِنْ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِك حَتَّى تَنْوِيَ لِعَمَلٍ وَاحِدٍ نِيَّاتٍ كَثِيرَةً وَلَوْ صَدَقْت رَغْبَتُك لَهُدِيت لِطَرِيقِهِ وَيَكْفِيك مِثَالٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الدُّخُولَ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْقُعُودَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أُمُورٍ أَوَّلُهَا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ دَاخِلَهُ زَائِرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْوِي ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ زَارَ اللَّهَ تَعَالَى وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ إكْرَامُ زَائِرِهِ» وَثَانِيهَا الْمُرَابَطَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015