كَالسَّحَابِ فَوَقَفَ مَعَ الشَّيْخِ يَتَحَدَّثُ مَعَهُ سَاعَةً، وَالشَّيْخُ يَقُولُ: لَا أَقْدِرُ ثُمَّ مَضَى فَسَأَلْته مَنْ هَذَا الرَّجُلُ: فَقَالَ: هَذَا بَدَلُ الْإِقْلِيمِ الْفُلَانِيِّ فَقُلْت لَهُ وَمَا طَلَبَ مِنْك حَتَّى امْتَنَعْت مِنْ فِعْلِهِ؟ فَقَالَ: طَلَبَ مِنِّي أَنْ أَقِفَ مَعَهُ اللَّيْلَةَ بِعَرَفَةَ فَقُلْت لَهُ يَا سَيِّدِي وَمَا مَنَعَك مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لِي كُنْت نَوَيْت زِرَاعَةَ تِلْكَ الْبُقْعَةِ اللَّيْلَةَ فَانْظُرْ كَيْفَ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَجْلِ زَرْعِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَلَوْ كَانَتْ زِرَاعَتُهَا عِنْدَهُ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ لَتَرَكَهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ النِّيَّةُ فِيهَا صَالِحَةً بِحَسَبِ مَا نَوَى لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتْرُكَهَا لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] حُكِيَ لِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ سَيِّدِي أَبِي عَلِيٍّ حَسَنٍ الزُّبَيْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ إمَامًا مُعَظَّمًا مُحْتَرَمًا مُقَدَّمًا عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْمَشَايِخِ مِثْلِ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ وَسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَنَظَائِرِهِمَا.

قَالَ: كُنْت مَعَ سَيِّدِي حَسَنٍ فِي حَائِطٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهِ، وَإِذَا بِشَخْصٍ يَدُقُّ الْبَابَ فَمَشَيْت إلَى الْبَابِ لِأَنْظُرَ مَنْ هُوَ فَإِذَا هُوَ سَيِّدِي حَسَنٌ قَدْ لَحِقَنِي فَسَأَلَنِي عَنْ قِيَامِي بِأَيِّ نِيَّةٍ قُمْت فَقُلْت: قُمْت لِأَفْتَحَ الْبَابَ قَالَ: لَا غَيْرَ قُلْت: هُوَ ذَاكَ أَوْ كَمَا قَالَ: قَالَ: فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: فَقِيرٌ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةٍ عَارِيَّةٍ عَنْ النِّيَّةِ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَامَ لِفَتْحِ الْبَابِ وَعَدَّدَ لِي مَا قَامَ بِهِ مِنْ النِّيَّاتِ، فَإِذَا هِيَ نَحْوُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ نِيَّةً وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا جَاءَ إلَى الْحَجِّ وَوَجَدَ بَعْضَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّعْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا خَرَجْت بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَلَمَّا أَنْ حَجَّ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَحَلَ إلَى الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ إلَى بَلَدِهِ بِالْيَمَنِ أَوْ غَيْرِهِ فَسَمَّعَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وَهَذَا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ.

وَهُوَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ إذْ أَنَّ النَّبِيَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015