يَقُول طُوبَى لمن أخمل الله عز وَجل ذكره وَكَانَ لَا يدع أحدا يتبعهُ فِي مَشْيه وَرُبمَا كَانَ مَاشِيا فيتبعه أحد من النَّاس فيقف حَتَّى ينْصَرف الَّذِي يتبعهُ وَكَانَ يمشي وَحده متواضعا
وَحَيْثُ إِن الإِمَام أَحْمد كَانَ يحب توفر الِالْتِفَات إِلَى النَّقْل ويختار التَّوَاضُع أشغل أوقاته فِي جمع السّنة والأثر وَتَفْسِير كتاب الله تَعَالَى وَلم يؤلف كتابا فِي الْفِقْه وَكَانَ غَايَة مَا كتب فِيهِ رِسَالَة فِي الصَّلَاة كتبهَا إِلَى إِمَام صلى وَرَاءه فأساء فِي صلَاته وَهِي رِسَالَة قد طبعت ونشرت فِي أيامنا فَعلم الله من حسن نِيَّته وقصده فَكتب عَنهُ أَصْحَابه من كَلَامه وفتواه أَكثر من ثَلَاثِينَ سفرا انتشرت كلهَا فِي الْآفَاق ثمَّ جَاءَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَارُون أَبُو بكر الْخلال فصرف عنايته إِلَى جَمِيع عُلُوم أَحْمد بن حَنْبَل وَإِلَى كِتَابَة مَا رُوِيَ عَنهُ وَطَاف لأجل ذَلِك الْبِلَاد وسافر للاجتماع بأصحاب أَحْمد وَكتب مَا رُوِيَ عَنهُ بِالْإِسْنَادِ وَتبع فِي ذَلِك طرفه من الْعُلُوّ وَالنُّزُول وصنف كتبا فِي ذَلِك مِنْهَا كتاب الْجَامِع وَهُوَ فِي نَحْو مِائَتي جُزْء وَلم يقارنه أحد من أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد فِي ذَلِك وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة هَذَا مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي المناقب من أَن جَامع الْخلال فِي نَحْو من مِائَتي جُزْء
وَقَالَ ابْن الْقيم فِي أَعْلَام الموقعين وَجمع الْخلال نصوصه فِي الْجَامِع الْكَبِير فَبلغ نَحْو عشْرين سفرا أَو أَكثر انْتهى
وَلَا مُعَارضَة بَين قوليهما لِأَن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا يطلقون على الكراس وعَلى مَا يقرب من الكراسين جُزْءا وَأما السّفر فَهُوَ مَا جمع أَجزَاء فَتنبه
وَمن ثمَّ كَانَ جَامع الْخلال هُوَ الأَصْل لمَذْهَب أَحْمد فَنظر الْأَصْحَاب فِيهِ وألفوا كتب الْفِقْه مِنْهُ وَكَانَ من جملَة من سلك فِي مذْهبه مسالك الِاجْتِهَاد فِي تَرْجِيح الرِّوَايَات المنقولة