اعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ كَانَ يكره وضع الْكتب الَّتِي تشْتَمل على التَّفْرِيع والرأي وَمَا ذَلِك إِلَّا ليتوفر الِالْتِفَات إِلَى النَّقْل ويزرع فِي الْقُلُوب التَّمَسُّك بالأثر وَقَالَ يَوْمًا لعُثْمَان بن سعيد لَا تنظر فِي كتب أبي عبيد وَلَا فِيمَا وضع إِسْحَاق وَلَا سُفْيَان وَلَا الشَّافِعِي وَلَا مَالك وَعَلَيْك بِالْأَصْلِ
وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء سَأَلت أَحْمد عَن كتب أبي ثَوْر فَقَالَ كتاب ابتدع فِيهِ بِدعَة وَلم يُعجبهُ وضع الْكتب وَكَذَلِكَ كَانَ يكره أَن يكْتب شَيْء من رَأْيه وفتواه
وروى الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مناقبه عَن أَحْمد أَنه قَالَ القلانس من السَّمَاء تنزل على رُؤُوس قوم يَقُولُونَ برؤوسهم هَكَذَا وَهَكَذَا
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الْمَعْنى لَا يريدها وَقَوله هَكَذَا وَهَكَذَا أَي يميلون رؤوسهم عَن أَن تتمكن مِنْهَا
وَمعنى الْكَلَام أَنهم لَا يُرِيدُونَ الرياسة وَهِي تقع عَلَيْهِم وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنهم يطأطؤن رؤوسهم تواضعا فَلذَلِك كَانَ أَحْمد ينْهَى عَن كتب كَلَامه تواضعا فَقدر الله لَهُ أَن دون ورتب وشاع انْتهى
قلت وَالْمعْنَى الثَّانِي هُوَ الْأَقْرَب فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ