اعْلَم أَن أَصْحَابنَا تفننوا فِي علومهم الْفِقْهِيَّة فنونا وَجعلُوا لشجرتها المثمرة بأنواع الثمرات غصونا وشعبوا من نهرها جداول تروي الصادي ويحمد سَيرهَا الساري فِي سَبِيل الْهدى وَطَرِيق الِاقْتِدَاء ففرعوا الْفِقْه إِلَى الْمسَائِل الفرعية وألفوا فِيهَا كتابا قد اطَّلَعت على بعض مِنْهَا ثمَّ أفردوا لما فِيهِ خلاف لأحد الْأَئِمَّة فَنًّا وسموه بفن الْخلاف وَتارَة يطلقون عَلَيْهِ الْمُفْردَات وضموا المتناسبات فألحقوها بأصول استنبطوها من فن أصُول الْفِقْه وَسموا فنها بالقواعد وَجعلُوا للمسائل المشتبهة صُورَة الْمُخْتَلفَة حكما ودليلا وَعلة فَنًّا سموهُ بالفروق وعمدوا إِلَى الْأَحْكَام الَّتِي تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْأَزْمَان مِمَّا ينطبق على قَاعِدَة الْمصَالح الْمُرْسلَة فأسسوها وسموها بِالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّة وَأتوا على مَا اختلقه الْعَوام وأرباب التَّدْلِيس فَسَموهُ بالبدع وعَلى مَا هُوَ من الْأَخْلَاق مِمَّا هُوَ للتأديب والتربية ووسموه بفن الْآدَاب وَلما كَانَت كتبهمْ لَا تَخْلُو عَن الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس صنفوا كغيرهم فِي أصُول الْفِقْه ثمَّ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْكتب المصنفة فِي الْفُرُوع ثمَّ عَمدُوا إِلَى جمع الْأَحَادِيث