واحتجوا: بأن قوله " ولو قال قائل بكذا كان مذهبًا " ظاهرٌ أنه يحتمل هذا القول ويحتمل ما ذكروه، فصار كما قال: هذه المسألة تحتمل قولين.
والجواب: أن أكثر ما فيه أنه دل على ذلك، فيحتمل في الاجتهاد، وهذا لا يدل على أنه مذهب له.
ألا ترى أنَّا نقول أبدًا في مسائل الخلاف: هذه مسألة يسوغ فيها الاجتهاد، ثم لا يقتضي ذلك أن تكون تلك المذاهب أقوالًا " اهـ كلام الشيرازي.
* * *
الإمام الشافعي - رحمه اللَّه تعالى - كانت له تلامذة نشروا مذهبه في بغداد - في العراق - وآخرون نشروا مذهبه في خراسان، وآخرون نشروا مذهبه في مصر، وأصبحت هناك طريقتان كبيرتان في العالم، طريقة الخراسانيين، وطريقة العراقيين في تناول مذهب الإمام الشافعي.
وبدأت كل طريقة في التميز عن أختها ابتداء من أصحاب الشافعي كما سنذكره، ْوأصبح لكل فريق طريقة معينة في التفكير الفقهي، وفي الاستنباط، وفي الأصول، إلا أنهما يعملان سويًّا من خلال أصول الشافعي بالجملة، وظل الحال هكذا إلى أن وصلنا
إلى اتحاد الطريقتين مرة أخرى في تلامذة القفال المروزي.
وأخذت الطريقتان تتلاشيان حتى انتهتا تماما في عصر الإمام الرافعي، ومن بعده الإمام النووي، ولم يعد بعد ذلك ما كان يذكر في هذه العصور من الفرق بين طريقة أصحابنا الخراسانيين، وأصحابنا العراقيين.
وهذه الصورة للمذهب نجدها عند الإمام النووي حينما ذكر سلسلة التفقه التي تلقاها في الفقه الشافعي.
* *
يقول الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى:
فأما أنا فأخذت الفقه قراءة وتصحيحًا وسماعًا وشرحًا وتعليقًا عن جماعات أولهم شيخي الإمام أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي ثم المقدسي، ثم شيخنا أبو عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم المقدسي، ثم الدمشقي مفتي دمشق، ثم شيخنا أبو حفص عمر بن أسعد بن
أبي طالب الربعي، ثم الأربلي، وتفقه شيوخنا على الإمام أبي عمرو ابن الصلاح،