إذا ذكر في القديم قولًا، ثم ذكر في الجديد غيره، فمذهبه هو الثاني، والأول
مرجوع عنه.
ومن أصحابنا من قال: لا يكون رجوعًا عن الأول ما لم يصرح بالرجوع.
لنا: أنهما قولان متضادان، فالثاني منهما تَرْكُ الأول، كما تقول في النصين
المتضادين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولأنه إذا أفتى في القديم بإحلال شيء، ثم أفتى في الجديد بتحريمه، فقد أفتى
ببطلان الأول، فلا يجوز أن يكون ذلك قولًا له كما لو صَرح بالرجوع عنه.
واحتج المخالف: بأنه جوز أن يجمع بين القولين في حالة واحدة، ويكونا قولين له،
فكذلك يجوز أن يذكر القولين في وقتين، ويكون ذلك قولين له.
قلنا: إذا ذكر في موضع واحد قولين، لم يمكن أن يجعل أحدهما رجوعا عن
الآخر، فيحمل ذلك على أنه ذكرهما لينظر بهما.
وفي مسألتنا ذكر أحدهما بعد الآخر، فجعل الثاني رجوعًا عن الأول، يدل عليه: أن صاحب الشرع لو ذكر قولين متضادين في وقت واحد، لم يجعل أحدهما ناسخًا للآخر، بل يجمع بينهما، ويرتب أحدهما على الآخر، ولو أنه ذكر ذلك في وقتين
مختلفين جعل الثاني ناسخًا للأول، كما في مسألتنا.
مسألة:
إذا نص الشافعي في مسألة على قولين، ثم أعاد المسألة، وذكر فيها أحد
القولين، أو فَرَّعَ على أحد القولين، كان ذلك اختيارًا للقول المعاد، والقول المفرَّع عليه
في قول المزني - رحمه الله -.
ومن أصحابنا من قال: ليس في ذلك دليل على الاختيار.
فما: أن الظاهر أن مذهبه هو الذي أعاده، أو فَرَّعَ عليه؛ لأنه لو كان مقيما على القولين لأعادهما، وفَرَّعَ عليهما، ولما أفرد أحدهما بالإعادة والتفريع، دَلَّ على أنه هو الذي يذهب إليه ويختاره من القولين.