وقال أحمد بن النحاس الدمياطي الحنفي، ثم الشافعي في كتابه " تنبيه الغافلين " عند ذكر المنكرات: " فمنها ما عمت به البلوى في الدين من الكذب الجاري على الألسن، وهو ما ابتدعوه من الألقاب كـ: محيي الدين، ونور الدين، وعضد الدين، وغياث الدين، ومعين الدين، وناصر الدين، ونحوها من الكذب الذي يتكرر على الألسنة حال النداء، والتعريف، والحكاية، وكل هذا بدعة في الدين ومنكر ".
وقال ابن القيم: " وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق قاضي
القضاة، وحاكم الحكام ".
قال: " وكذلك تحرم التسمية بسيد الناس، وسيد الكل، كما يحرم بسيد ولد آدم "، أي: أنه لا يليق إلا به - صلى الله عليه وسلم -.
وقد توسط الحجاوي في إقناعه، فقال: " ومن لُقبَ بما يصدق فعله للقبه جاز، ويحرم ما لم يقع على مخرج صحيح، على أن التأويل في كمال الدين، وشرف الدين: إن الدين كمله، وشرفه، قاله ابن هبيرة ".
* * *
ومن اصطلاح الفقهاء التسمية ب " شيخ الإسلام "، وكان العرف فيما سلف أن هذا اللفظ يطلق على من تصدَّر للإفتاء، وحل المشكلات فيما شجر بين الناس من النزاع والخصام من الفقهاء، والعظام، والفضلاء الفخام كشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الحراني، وصاحب المغنى، وغيرهما.
وقال السخاوي في كتابٍ له سماه الجواهر: " كان السلف يطلقون شيخ الإسلام على المتِّبع لكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مع التبحر في العلوم من المعقول والمنقول ".
قال: " وقد يوصف به من طال عمره في الإسلام فدخل في عداد
" من شاب في الإسلام كانت له نورًا "، ولم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين:
الصديق والفاروق، فإنه ورد وصفهما بذلك، ثم اشتهر به جماعة من علماء السلف حتى ابتذلت على رأس المائة الثامنة، فوصف بها من لا يحصى، وصارت لقبًا لمن ولي القضاء الأكبر، ولو عرى عن العلم والسن ".
ثم صار الآن لقبًا لمن تولى منصب الفتوى وإن عرى عن الدين والتقوى، بل صارت الألقاب الضخمة باللباس، والزي، والعمام الكبار، والأكمام الواسعة.