عبد البر، المتوفى سنة (463 هـ) - رحمه الله تعالى- في كتابه: " جامع بيان العلم وفضله " إِذ حَرَّرا كلمة الفصل بالانتصار لداعي الدليل، والقدح في الدعوة إلى التعصب الذميم، والصدَ عن الدليل، فَلاَح لَدَى المنصفين الحق المبين من الزيْفِ والمَيْنِ، لكن هذه قضية للهوى والحظوظ النفسانية فيها غارة ومدخل، وغاية ومطلب؛ لأَن أمور القضاء، والفتيا، كانت ترْسَمُ على مذهب كذا، والسلطة معهم، فيصعب اقتحام الدعوى عليهم.
لكَن ما شعر الناس إلا وصوت جهير ينطلق من الأرض المباركة، من رُبى دمشق الشام، يُعْلِنُ على رؤوس الأَشهاد: فساد التعصب المذهبي، وغلط المقلدة، وتغليط الدعوة إلى سدِّ باب الاجتهاد، وأَن حقيقة ذلك نسخ للشريعة، والصيحة في وجوه دعاة التعصب المذهبي، وأَنه بدعة حادثة بعد القرون الفاضلة، وأَن قول من قال بوجوب تقليد فقيه في دين الله لاَ يُخْرَجُ عن قوله إلى الدليل، ولا إلى غيره من المجتهدين: ضلال عظيم، وبدعة في المسلمين. وأَن الواجب هو الطواعية لله، ودينه، وشرعه، ورسوله- صلى الله عليه وسلم - لا غير إلى آخر تلك الحقائق الِإيمانية، والدعوات الشرعية، فقال في ذلك، وخطب، وكاتب، وكتب، وأَنكر على الفَعَلةِ، واستنكر، ونصح، وأَرشد ذلكم هو شيخ الإسلام أَبو العباس تقي الدِّين أَحمد ابن عبد الحليم ابن تيمية النميري الحراني ثم الدمشقي، المولود سنة (661 هـ) والمتوفى سنة (728 هـ) - رحمه الله تعالى-؛ فأثرت دعوته الإصلاحية هذه، وهَيَّأَ الله له أعوانا، وتلاميذ، في غرتهم: