وبكر بن خنيس اتفقوا على صلاحه وتقواه وكونه عابدا زاهدا غزاء، ثم اختلفوا في قبول حديثه فرأى قوم قبوله، وتشدد آخرون تمسكا بعدم إتقانه للفن، فقال ابن معين: صالح لا بأس به، وقال مرة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: كان رجلا صالحا غزاء وليس بقوى في الحديث، إلا أنه لا يبلغ الترك، وقال الجوزجانى: كان يروى كل منكر إلا أنه كان لا بأس به في نفسه، وقال ابن عدى: هو ممن يكتب حديثه، ويحدث بأحاديث مناكير عن قوم لا بأس بهم، وهو في نفسه رجل صالح إلا أن الصالحين يشبه عليهم الحديث، وقال العجلى: كوفى ثقة.
فإذ هو صادق صالح ثقة، فالنفس آمنة منه من جهة الكذب، بقى احتمال وهمه، وليس الوهم لازما للصالح في كل ما يحدث به، فإذا وجد له متابع فحديثه ثابت في رتبة الحسن على أقل الدرجات، وله مع ذلك طريق آخر ذكره ابن أبي حاتم في العلل [1/ 398، رقم 1193]، فقال: سألت أبي عن حديث رواه مروان بن معاوية الفزارى عن عوف عن الحسن عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الدعوة أول يوم حق والثانى معروف، وما زاد فهو رياء"، فسمعت أبي يقول: إنما هو الحسن عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلا اهـ.
وهذا سند رجاله رجال الصحيح، ودعوى أبي حاتم إرساله باطلة لا ترتكز على حجة، إنما هو محض اعتقاد منه، فعلى تسليم قوله فهو مرسل صحيح يؤيده الحديث الذي قبله، كما أنه هو يؤيد الموصول قبله، ويأتى منهما معا حديث صحيح موصول بالنظر لحديث أنس على انفراده.