صحيفة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل" ثم قال له: "اعلم أن الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر". وتمضي هذه الرواية فتذكر أن أبا الأسود جمع لعلي أشياء وعرضها عليه، كان منها حروف النصب: إن وأن وليت ولعل وكأن، ولم يذكر أبو الأسود: لكن، فقال له علي: لم تركتها؟ فقال: لم أحسبها منها، فقال: بل هي منها، فزدها فيها1. ولهذه الرواية صور أخرى2 تلتقي بها. ويقول القفطي المتوفى سنة 646 للهجرة: "رأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الورّاقين جزءا فيه أبواب من النحو يُجمعون على أنها مقدمة علي بن أبي طالب التي أخذها عنه أبو الأسود الدؤلي"3. فالمسألة لم تقف عند سطور أو بعض أبواب نحوية تذكر مجملة، بل اتسعت لتصبح مقدمة أو رسالة صنّفها علي بن أبي طالب، وكأنه لم يكن مشغولا حين ذهب إلى العراق والكوفة بإعداد الجيوش لحرب معاوية, ولا كان مشغولا بحروب الخوارج، إنما كان مشغولا بالنحو ووضع رسومه وأصوله وفصوله. وطبائع الأشياء تنفي أن يكون قد وضع ذلك، ونفس الرواية السالفة وما أشبهها من الروايات تحمل في تضاعيفها ما يقطع بانتحالها لما يجري فيها من تعريفات وتقسيمات منطقية لا يعقل أن تصدر عن علي بن أبي طالب أو عن أحد من معاصريه، ولعل الشيعة هم الذين نحلوه هذا الوضع القديم للنحو الذي لا يتفق في شيء وأولية هذا العلم ونشأته الأولى.

وقد تقف الروايات في الواضع الأول للنحو عند أبي الأسود، غير أنها تعود فتضطرب في السبب الذي جعله يرسمه وفي حاكم البصرة موطنه الذي بعثه على هذا الرسم والأبواب الأولى التي رسمها فيه. فمن قائل: إنه سمع قارئا يقرأ الآية الكريمة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015