لما كانت العلوم في الأمم لا تظهر فجأة، بل تأخذ في الظهور رويدا رويدا حتى تستوي على سوقها، كان ذلك مدعاة في كثير من الأمر لأن تغمض نشأة بعض العلوم, وأن يختلط على الناس واضعوها المبكرون. وهذا نفسه ما حدث فيمن نسبت إليهم الخطوات الأولى في وضع النحو العربي، وفي ذلك يقول السيرافي: اختلف الناس في أول من رسم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو نصر2 بن عاصم، وقيل: بل هو عبد الرحمن3 بن هرمز، وأكثر الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي4.
وتضطرب الروايات في وضع أبي الأسود للنحو، فمنها ما يجعل ذلك من عمله وحده، ومنها ما يصعد به إلى علي بن أبي طالب، إذ يروون عن أبي الأسود نفسه أنه دخل عليه وهو بالعراق, فرآه مطرقا مفكرا، فسأله فيم يفكر؟ فقال له: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية، وأتاه بعد أيام فألقى إليه