من إعراب. ومع أنه كان يتسع -على هدي أستاذه- في بسط ظلال السماع والقياس على الصيغ والعبارات نجده يتوقف أحيانا, وخاصة إزاء بعض القراءات الشاذة، بل إنه ليصوغ توقفه أحيانا في صورة إنكار عنيف، وهو بذلك يعد الملهم الحقيقي للبصريين الذين جاءوا من بعده وحملوا على بعض القراءات من مثل المازني والمبرد، وهي حملات لم يكن يراد بها -كما ظن بعض المعاصرين- الطعن على قراء الذكر الحكيم، إنما كان يراد بها التثبّت الدقيق إزاء ما رُسم في المصاحف. وأهم خالفي الفراء في إمامة المدرسة الكوفية ثعلب، وهو يعد شارحا لآراء إمامي المدرسة: الفراء والكسائي أكثر منه مستنبطا للآراء النحوية الجديدة. ومن أنبه تلاميذه أبو بكر بن الأنباري، وكان حاذقا فطنا, فدعم النحو الكوفي بكثير من العلل القويمة السديدة. وظل هذا النحو حيا وظل علمه خفَّاقا حتى العصور المتأخرة، على نحو ما يلقانا في القرن الثامن الهجري عند ابن آجروم الصنهاجي المغربي.

وأما القسم الثالث فيتناول ثلاث مدارس، أولها المدرسة البغدادية، وقد لاحظت أنه تداولها جيلان: أول، ثم ثانٍ، أما الجيل الأول فغلبت عليه النزعة الكوفية على نحو ما نجد عند ابن كيسان، وإلى هذا الجيل يرجع الفضل في دعم المدرسة الكوفية بالبراهين والأدلة والتعليلات البينة، مما ينقض زعم فايل من أن الاحتجاجات التي ساقها صاحب الإنصاف للكوفيين من عمل بصريين متأخرين، وهي من عمل البغداديين الأولين الذين نبهوا في النحو الكوفي، وصنفوا فيه محتالين له بالحجج والعلل، ثم درسوا النحو البصري، ومزجوا بين النحوين. وأما الجيل الثاني فكانت تغلب عليه النزعة البصرية على نحو ما يلقانا عند الزجاجي وأبي علي الفارسي وابن جني، ويكثر الأخيران من الحديث عن البصريين باسم "أصحابنا" مما جعل بعض المعاصرين أو قل: كثرتهم يظنون أنهما بصريان حقا، وهما بغداديان أصيلان، إذ كانا يمزجان -مثل الزجاجي وابن كيسان وأضرابهما- بين آراء المدرسة البصرية وآراء المدرسة الكوفية، نافذينِ مع ذلك إلى آراء جديدة كثيرة. وقد أوضحت هذه الأصول التي اعتنقها البغداديون عند ابن كيسان والزجاجي. وكان عقل أبي علي الفارسي خصبا إلى أبعد حد، وكأنه كان كنزا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015