خاتمة:

هذا البحث موزع على ثلاثة أقسام، أما القسم الأول فخاص بمدرسة البصرة، وقد تحدثت فيه عن وضع البصرة للنحو، مصورا الأسباب التي دفعت إلى ذلك، وكيف أن جهود أبي الأسود الدؤلي وتلاميذه إنما تقف عند أول نقط يحرِّر حركات أواخر الكلمات في الذكر الحكيم, وكذلك عند أول نقط للحروف المعجمة في المصاحف؛ تمييزا لها من الحروف المهملة.

وأول نحوي بصري بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة نجد عنده مقدمات واضحة لوضع قواعد النحو هو ابن أبي إسحاق الحضرمي، وخلفه تلاميذه البصريون يتقدمهم عيسى بن عمر، يتشددون في اطراد القواعد النحوية مع دعمها بالعلل والأقيسة، ومع الاستقراء الدقيق لقراءات القرآن الكريم مشتقين قواعدهم منها, ومما كان يجري على أفواه العرب الفصحاء في بوادي نجد والحجاز وتهامة. وكانت الكوفة حتى منتصف القرن الثاني الهجري مشغولة عن ذلك كله بترتيل القرآن ورواية الشعر والأخبار، ولم تكن قد بلغت من الرقي العقلي ما بلغته البصرة، مما أتاح لها وضع النحو وقواعده وأصوله وضعا نهائيا. وللخليل بن أحمد في ذلك القِدْح المعلَّى، فهو الذي أقام صرح النحو، وهو الذي شاد قواعده وأركانه بحيث لم يعد فيها أي أَمْت أو عوج أو انحراف, وهو الذي صاغ قوانين أبنيته واشتقاقاته وإعلالاته وإبدالاته، وهو الذي ضبط نظرية العوامل والمعمولات وبسط ظلالها على جميع الكلمات والعبارات وكل ما يتصل بها من تقديرات وتأويلات واحتمالات، وهو الذي أرسى قواعد السماع والتعليل والقياس، فلا بد أن يشتق كل قانون نحوي إما من استقراءات القراءات للذكر الحكيم, وإما من مشافهة البدو الخلص الذين لم تفسد سلائقهم ولا ألسنتهم، ولا بد لكل قانون من علة أو علل عقلية تسنده، ولا بد له من أن يقوم على القياس قياس, يجري على الكثرة المطردة من كلام العرب، ويتسع ليجري عليه كل ما ينشئ النحاة من صياغات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015