والتوكيد إنما هو لخبر زيد لا لخبرك عن نفسك؛ لأن "إن" لا تتعلق بخبرك وهي متجاوزة إلى الخبر1.

ولابن كيسان بجانب ذلك آراء اجتهادية كثيرة انفرد بها، فمن ذلك أنه كان يجوِّز تذكير الفعل مع المبتدأ المؤنث المجازي مثل: "الشمس طلع" لمجيء ذلك على لسان الشعراء في مثل:

ولا أرض أبقل إبقالها

كما جوز تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث الحقيقي بدون فاصل لقول بعض الشعراء:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما

واستدل أيضا بأن سيبويه حكى عن بعض العرب: "قال فلانة"2. وكان يعتل بأن الحال سدت مسد الخبر في مثل: "كتابتي الشعر قائما" لشبهها بالظرف فكأنما قيل: كتابتي الشعر في حال قيام3. وذهب الجمهور إلى أن أمس بُنيت لتضمنها معنى لام التعريف، بينما ذهب ابن كيسان إلى أن علة بنائها تضمنها معنى الفعل الماضي، وأُعربت "غد" لأنها في معنى الفعل المستقبل وهو معرب4. وكان يذهب إلى جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور, مستدلا بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} بينما كان سيبويه وكثير من البصريين يمنعون ذلك5. وذهب الجمهور في مثل: ما قام زيد ولكن عمرو إلى أن الواو هي العاطفة ولكن حرف ابتداء، بينما ذهب ابن كيسان إلى أن لكن هي العاطفة والواو زائدة6. ومنع الجمهور جمع مثل أحمر جمع مذكر سالما وكذلك جمع حمراء جمع مؤنث سالما ومثلهما سكران وسكرى، وجوز ذلك ابن كيسان، فيقال في رأيه: أحمرون وحمراوات وسكرانون وسكرايات7.

ولعل في كل ما قدمنا ما يدل على براعة ابن كيسان وكيف ابتدأ المدرسة البغدادية، فهو يعكف على آراء الكوفيين والبصريين دارسا فاحصا، منتخبا لنفسه طائفة من الآراء البصرية وأخرى من الآراء الكوفية ومشتقا لنفسه آراء جديدة مبتكرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015