ولا يكفي أن ينسب ابن جني وأبو علي الفارسي أنفسهما في البصريين، لنعدهما حقا منهم، فإنهما اتبعا في مصنفاتهما المذهب البغدادي الانتخابي، وإن كانت قد غلبت عليهما النزعة البصرية، وهي لا تخرجهما عن دوائر الاتجاه البغدادي القائم على الانتخاب من آراء البصريين والكوفيين. وعلى غرارهما الزجاجي آخر الجيل الأول من البغداديين.
أما إطلاق ابن جني اسم البغداديين على الكوفيين أحيانا, فيرجع إلى أن جمهور الجيل الأول من البغداديين كانت تغلب عليه النزعة الكوفية، فسماهم الكوفيين تارة، وتارة سماهم البغداديين، وأهمهم ثلاثة: ابن كيسان المتوفى سنة 299 للهجرة, وابن شُقَيْر1 المتوفى سنة 315, وابن الخياط2 المتوفى سنة 320, وفيهم يقول الزجاجي: "من علماء الكوفيين الذين أخذت عنهم: أبو الحسن بن كيسان وأبو بكر بن شقير وأبو بكر بن الخياط؛ لأن هؤلاء قدوة أعلام في علم الكوفيين، وكان أول اعتمادهم عليه، ثم درسوا علم البصريين بعد ذلك فجمعوا بين العلمين"3.ويصرح الزجاجي في موضع آخر بأن هؤلاء الأعلام ومعهم ابن الأنباري الكوفي الخالص, هم الذين ينقل عنهم احتجاجات الكوفيين لآرائهم، فهم الذين ضبطوا هذه الاحتجاجات ووثقوها وأحكموها، يقول في كتابه الإيضاح بعد أن أورد جملة وجوه الاحتجاج لآراء الكوفيين التي سردها في الكتاب سردا: "وإنما نذكر هذه الأجوبة عن الكوفيين على حسب ما سمعنا مما يحتج به عنهم من ينصر مذهبهم من المتأخرين وعلى حسب ما في كتبهم إلا أن العبارة عن ذلك بغير ألفاظهم والمعنى واحد؛ لأنا لو تكلفنا حكاية ألفاظهم بأعيانها لكان في نقل ذلك مشقة علينا من غير زيادة في الفائدة، بل لعل أكثر ألفاظهم لا يفهمها من لم ينظر في كتبهم، وكثير من ألفاظهم قد هذبها من نحكي