اتبع نحاة بغداد في القرن الرابع الهجري نهجا جديدا في دراساتهم ومصنفاتهم النحوية يقوم على الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية جميعا، وكان من أهم ما هيأ لهذا الاتجاه الجديد أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا للمبرد وثعلب، وبذلك نشأ جيل من النحاة يحمل آراء مدرستيهما ويعنى بالتعمق في مصنفات أصحابهما والنفوذ من خلال ذلك إلى كثير من الآراء النحوية الجديدة.
وكان من هذا الجيل من يغلب عليه الميل إلى الآراء الكوفية ومن يغلب عليه الميل إلى الآراء البصرية، فاضطرب كُتَّاب التراجم والطبقات إزاءه، فمنهم من حاول تصنيف أفراده في المدرستين الكوفية والبصرية على نحو ما صنع الزبيدي في طبقاته, ومنهم من أفردهم بمدرسة مستقلة كما صنع ابن النديم في الفهرست، وإن كان قد أدخل فيهم نفرا ليس لهم نشاط نحوي مذكور مثل ابن قتيبة, وأبي حنيفة الدينوري.
وحاول بعض الباحثين المعاصرين أن ينفي وجود المدرسة البغدادية، معتمدا على من ينظمون أفرادها في البصريين والكوفيين, وأن علمين من أعلام جيلها الثاني ينسبان أنفسهما في البصريين، وهما أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، إذ يعبران في تصانيفهما عنهم كثيرا بكلمة أصحابنا1، وينتصران في أغلب الأمر للآراء البصرية وكثيرا ما يطلق ابن جني على الكوفيين اسم البغداديين2، وكأنهم مدرسة واحدة.