أجمع القدماء على أن نحو الكوفيين يشكل مذهبا مستقلا, أو كما نقول بلغة العصر مدرسة مستقلة سواء منهم أصحاب كتب الطبقات والتراجم مثل ابن النديم في كتابه الفهرست والزبيدي في كتابه طبقات النحويين واللغويين أو أصحاب كتب المباحث النحوية، إذ نراهم دائما يعرضون في المسائل المختلفة وجهتي النظر المتقابلتين في المدرستين: الكوفية والبصرية. وقد أفرد أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري مجلدا ضخما عرض فيه الخلاف بين المدرستين في إحدى وعشرين ومائة مسألة، وهو إنما عرض أهم ما اختلفتا فيه من مسائل في رأيه, ووراءها مسائل أخرى كثيرة مبثوثة في الكتب النحوية لم ير التوسع بذكرها. ونعجب أن نرى "فايل" ناشر هذا الكتاب لأول مرة, يزعم في مقدمته له أن الكوفة لم تؤسس لنفسها مدرسة نحوية خاصة وأن خلافات نحاتها وخاصة الكسائي والفراء مع الخليل وسيبويه إنما هو امتداد لما سمعاه من أستاذهما البصري يونس بن حبيب الذي نص القدماء على أن له قياسا في النحو خاصا به ومذاهب ينفرد بها. واستدل على ذلك بأن جميع المواضع التي ذكر ابن الأنباري اسمه فيها بكتابه يذكر معه فيها الكوفيين متابعين له في آرائه، وهي لا تعدو أربعة آراء! واستدل أيضا بأن الزمخشري قرن به الكوفيين في خمس مسائل بكتابه المفصل. وهو استدلال واضح الضعف، إذا قسنا ما وقف فيه الكوفيون معه إلى ما وقفوه مع الخليل وسيبويه، فالكتب النحوية إنما تذكر خلافهم لهما ولا تذكر مواضع اتفاقهم معهما، وهي أكثر من أن يحاط بها. ونفس سيبويه نقل عن يونس في كتابه نحو مائتي رواية تتخللها آراؤه التي كان يتفرد بها دونه ودون أستاذه الخليل.
والحق أننا إذا أردنا أن نبحث بين البصريين عن موجِّه للكسائي والفراء في إنشاء المذهب الكوفي مَثَل توا أمامنا الأخفش الأوسط الذي روى عنه الكسائي