رفع المثنى ثلاث علل1. وتتكاثر أمثال هذه العلل الميتافيزيقية في كل جوانب الشرح.
وينبغي أن نعرف أن وقوفه مع سيبويه لم يمنعه من مخالفته أحيانا والأخذ بآراء غيره أو برأي من عنده، من ذلك أنه كان يرد رأي سيبويه في أن كيف ظرف، ويذهب مذهب الأخفش في أنها اسم غير ظرف2. وكان سيبويه والخليل يريان أن الجزم في مثل: "ائتني أكرمْك" بنفس الطلب لتضمنه معنى إن الشرطية، وذهب السيرافي إلى أن المضارع مجزوم بالطلب لنيابته مناب الجازم الذي هو الشرط المقدر كما أن النصب بضربا في قولك: "ضربا زيدا" لنيابته عن اضربْ, لا لتضمنه معناه3. ومر بنا أن الخليل وتابعه سيبويه، كان يرى أن الجزم في فعل أكن في قوله تعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} للعطف على معنى {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} أي: إن أخرتني، وكان السيرافي يذهب إلى أن "أكن" معطوفة على محل {فَأَصَّدَّقَ} 4. وكان سيبويه يذهب إلى أن خفض خَرِب في قولهم: "هذا جُحر ضَبٍّ خربٍ" للجوار؛ لأن الكلمة نعت للجحر وجرت بملاحظة ما يجاورها، وقال السيرافي: بل هي نعت لضب، حذفت بقيته، إذ أصل العبارة: هذا جحر ضب خرب الجحر منه، ثم حذف الضمير في "منه" للعلم به، وحول الإسناد إلى ضمير الضب، وخفض الجحر, كما تقول: مررت برجل حسن الوجه، بالإضافة، والأصل "حسنٍ الوجهُ منه" ثم أُتي بضمير الجحر مكانه لتقدم ذكره فاستتر5, وهو تأويل فيه تكلف بيّن. وكان يذهب إلى أن كان الزائدة في مثل: "ما كان أحسن زيدا" تامة وفاعلها المصدر الدالة عليه أي: كان الكون6. وكان يمنع -خلافا للمبرد- دخول لام الابتداء بعد إن على معمول خبرها ما دامت قد دخلت على الخبر نفسه7. وكان يجعل لفظة الشر في مثل: "إياك والشر" معطوفة على إياك, لا معمولة لفعل