الفقه"1. وفي هذا ما يدل على نفاذ بصيرته، إذ تنبه إلى أن الأساس في كل قاعدة علمية أن تطرد، وأن يحكم على كل ما يخالفها بالشذوذ، لا أن يُتخذ قاعدة مستقلة كما يصنع ذلك الكوفيون, فإن ذلك من شأنه أن يعطل القواعد النحوية والصرفية ويصيبها بالشلل لمجرد وجود بيت شاذ عليها أو كلام محفوظ بأسانيد ضعيفة. وكأنه كان يرى أنه يكفي أن ينص على شذوذه، وأن لا يحاول أحد تأويله أو تخريجه كما كان يصنع أساتذته البصريون، ويشبه صنيعهم بصنيع القصاص وضعفة أصحاب الحديث في تصحيح ما يقوم كذبه, أو على الأقل شذوذه بالقياس إلى القواعد الفقهية المقررة.
وله آراء نحوية وصرفية كثيرة تداولتها كتب النحو التي جاءت بعده، منها أنه كان لا يرى ما يراه الجمهور من أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أو حالا أو نعتا يتعلقان بمحذوف تقديره: مستقر أو استقر، إذ كان يذهب إلى أنهما قسم مستقل بنفسه يقابل الجملتين الاسمية والفعلية2. وكان جمهور البصريين يذهب إلى أن "ليس" فعل ناقص لاتصالها بالضمائر مثل: ليست ولستما ولسن، وذهب ابن السراج إلى أنها حرف لأنها لا تتصرف، أي: لا يأتي منها المضارع والأمر3. ومثلها عسى، كان يرى أنها حرف لعدم تصرفها كليس، بينما كان يرى الجمهور أنها فعل لاتصالها بالضمائر مثل عساك وعساه4. وكان يصحح جواز تقديم خبر كان ولو كان جملة, وكذلك توسطه بينها وبين اسمها، وكان الجمهور يمنع ذلك، غير أن ابن السراج كان يحتج بتقدم المعمول للخبر في قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} , {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} , وكان يقول: تقديم المعمول يؤذن بتقدم العامل5. وكان يجوز حذف مفعولي ظن وأخواتها ولو لم يكن هناك دليل على حذفهما، محتجا بقوله جل وعز: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} أي: يعلم وقوله: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} 6. وكان الجمهور يرى تعليق ظن وأخواتها عن العمل إذا تقدم المفعولين أداة استفهام أو ما وإن النافيتان