ويوضح تعليله لمجيء الماضي بدل المضارع في الشرط بصورة أكثر وضوحا من الصورة السالفة، إذ يقول: "وقوله: إن قمتَ قمتُ يجيء بلفظ الماضي والمعنى معنى المضارع، وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه حتى كأن هذا قد وقع واستقر، لا أنه متوقَّع مترقَّب"1. وكان يقول: إن العامل في الفعل من الحروف ينبغي أن يختص بدخوله عليه من أجل عمله فيه. وعلل عدم عمل السين في المضارع في مثل: سيقوم بأنها كالجزء منه؛ لأنها حرف واحد لا يستقل بنفسه، وألحق بها سوف. وكان يشبه الأداة الجازمة للمضارع بالدواء, والحركة في الفعل بالفضلة التي يخرجها الدواء, وكما أن الدواء إذا أصاب فضلة حذفها وإن لم يصادف فضلة أخذ من نفس الجسم, فكذلك الجازم إذا دخل على الفعل إن وجد حركة أخذها وإلا أخذ من نفس الفعل، وسهُل حذف حرف العلة لسكونه؛ لأنه بالسكون يضعف فيصير في حكم الحركة، فكما أن الحركة تُحْذَف فكذلك حروف مثل: يغزو ويرمي ويخشى2.

وكان يعنى بالقياس عناية شديدة جعلته يهاجم من يعتدّون بالشواذ والنوادر، داعيا إلى إسقاطها حتى لا يحدث اضطراب في المقاييس النحوية والصرفية، وفي ذلك يقول: "اعلم أنه ربما شذّ شيء من بابه، فينبغي أن تعلم أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يُعنَ بالحرف الذي يشذ عنه. وهذا مستعمل في جميع العلوم، ولو اعتُرض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم، فمتى سمعت حرفا مخالفا لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم أنه شَذَّ، فإن كان سُمع ممن تُرضَى عربيته فلا بد أن يكون قد حاول به مذهبا أو نحا نحوا من الوجوه أو استهواه أمر غلطه. وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه، وإنما يركن إلى هذا ضَعَفَة أهل النحو "يريد الكوفيين" ومن لا حجة معه. وتأويل هذا وما أشبهه في الإعراب كتأويل ضعفة أصحاب الحديث وأتباع القُصَّاص في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015