وكلّما تَوسّع الإنسان في رغباته، وشهواته احتاج إلى مزيد من السُّبل والوسائل لتحقيقها.
وتلك السُّبل والوَسائل لا تتأتى إلاَّ بقَدْرٍ كبير من الجَهد، والمشقة، والبذلِ، مادِيًا، ومَعنويًا.
وهنا يخْتلِف النَّاسُ في سَعيهم إليها بَيْنَ مُنْتَقٍ مُتَأَنٍ، وبَيْنَ حاطِبِ لَيْلٍ شَرِهٍ.
فمن كان هَدفُه تَحقيق ما أَراد دُون النَّظَر إلى عَواقِب الأُمور - وكان ذلك مِنه قُصُورًا في التَّفكير، وتقلِيلاً مِن شَأْنِ المروءَات - سَلَّم لنَفْسه الأَخْذَ بالأَسْباب مِن مُختَلفِ مَصادِرها. وأَوجد لها نظريًا مِن المسوِّغات ما يَزيد في تطاولها عَليه، مِما يُشجعها على سَوْقهِ نَحو عَاقبَةٍ وَخِيمَةٍ.
هذا النوع من النَّاس يَتَفتَّق ذِهنه - في الغالب - على نَوعٍ من الحِيَل الكثيرة، المشْتَمِلة في جُمْلتِها على أساليبَ مُخْتلِفة من الخِداعِ، والغِشِّ، والكذب. فَهو لا يَتَورَّعُ بل يَتَسَرَّعُ الأُمور، ويَسْتَثْقِل الانتِظار حِين الوقوفِ في صُفوفِ المنتظرينَ. ويتطلّع بفضولٍ شديدٍ إلى الكَسب السَّريع في وقتٍ سريعٍ، لا يَهمه أن يتخَطَّى من سَبَقه من ذَوي الحاجَاتِ، ولا يَروعُه أَن يَرى مَظْلومًا، حافِيًا، كادِحًا، قد سَبقَه في طلب إِنْجازِ حاجَتِه واقِفًا في الصَّفِ أَمام مَسْئولٍ قليلِ المُروءَة، والشَّهامة، والخَشْية، قدَّم عَليه هَذا المتسَرع الَّذي جَاء مِن الصُّفوفِ الخَلفية، أَو رُبما لَم يَقف في الصَّفِ أَصْلاً، بل جَاءَ حامِلاً تَوصيةً مِن وَجيهٍ، أَو صَاحِب نُفُوذٍ وهو ما تعارَف النّاسُ بتَسْمِيتِه: الواسِطة أو الوَسيط.
فما هِي حُدود ذلك؟ وما هي ضَوابطُه؟
وهَل تَنْدَرج الوَسَاطة في مَفْهوم الشَّفَاعَة العام؟ وهَل هي مِن المُدارَاةِ في شَيءٍ؟