دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف / 32] . وهذا يظهر جليًا في مجال الرحمة، والشفقة، والتقدير، والاحترام، وتبادل المصالح.
والنَّاس للنَّاسِ مِن بَدْوٍ وحاضِرةٍ ... بَعضهم لبعضٍ وإن لم يَشْعُروا خَدَمُ 1
فالبذل بين المسلمين له سِمة التسامح بينهم، لأنّ الباذل بمحبّةٍ، وطواعيةٍ يرجو الجزاء من خالقه، وقد اجْتَثَّ الإيمانُ من نفسه طابع الأنانية، وشَهوة الاستئثار. يقول تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر / 9] .
فبذلهما جاء على قدر ما أَفرغ الإيمان في قلبيهما من محبّةٍ، والتنكر للذات منهما ارتكز على إقرارهما بالله وملائكتِه وكتبهِ ورسله واليوم الآخر. قال تعالى في الحديث القدسي: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " 2.