«ومن الخير أن أصارح القارئ بأن هذه الفصول نسخت نسخا من الكتاب الأصيل، فلم يحذف منها شيء، ولم يضف إليها شيء» (?) .

ولم يكن فن المدائح النبوية لذلك العصر فنا طارئا على الأدب العربي، فقد عرف في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جزء من الشعر الديني، الذي يعد أقدم ألوان الشعر عند الأمم جميعها، فالتقاء الفن بالدين قديم ضارب في أعماق التاريخ، فقبل الأديان السماوية كانت الصلاة مقرونة بالرقص والترنّم بالأغاني تقربا للإله، وكانت العبادة ألوانا من الفنون إلى جانب النصوص التي كانت تتلى، والتي كانت تعد من الأدب الجميل، الذي يحتفل في إنشائه ليؤثر في سامعيه.

وكان الدين وما يزال من المصادر الهامة التي تمد الأدباء بموضوعات أدبهم، وترقق مشاعرهم وأحاسيسهم وتوحي لهم بكثير من إبداعاتهم.

ويلتقي الدين والأدب في هدفهما، وهو تقويم النفس الإنسانية والمجتمع الإنساني، وإشباع الحاجة الإنسانية إلى الخير والجمال، وقد خدم الأدب العقيدة منذ القدم، فسجل دعوتها، وبث شعائرها بين البشر، وشرح مضامينها، وشاركها في بث الفضائل في نفوس الناس، وترغيبهم بالأخلاق الحسنة وتنفيرهم من الرذائل.

ومن هنا جاءت المدائح النبوية فنا أصيلا من فنون الشعر الديني، له خطره وله مكانته عند المسلمين فهو متعلق بصاحب الدين والمثل الإنساني الأعلى، فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شخصية إنسانية فريدة، هي أعظم شخصيات التاريخ الإنساني، فكان لا بد للأدب من أن يغتني بالحديث عنها، وكان لا بد للأدب من أن يشيد بها وبفضائلها، ويقدم للناس فيضا من خصائص الإنسان الكامل، ليقتدوا بها، وتصفو نفوسهم بتملّيها، وشخصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوجبت المدح من المسلمين وغيرهم لعظمتها وسموها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015