صورة مشرقة من صور الأدب المملوكي، تترك لدى المطلع انطباعا مغايرا لما هو سائد عنه، فوقعت على المدائح النبوية، الفن الشعري الذي نما وتكامل في هذا العصر، فكان أبرز فنونه وأرقاها، وأكثرها تأثيرا في الحركة الشعرية وفي مجتمع ذلك الوقت، وهو الفن الذي استمر وجوده والإقبال عليه إلى أيامنا هذه.
ولم يرزق هذا الفن إلى الآن من يدرسه دراسة جادة متأنية، تحيط بكل قضاياه، وتبرز أهميته وأثره، ومن التفت إليه كانت التفاتته عجلى، اقتصرت على الوصف والتعداد دون الدخول إلى جوهره، وبسط النظر في تركيبه، وبيان تطوره، وإذا غاص فيه، قصر ذلك على قصائد بعينها أو شاعر بعينه، فاحتاج الأمر إلى بسط القول فيه، وإيضاح معالمه في أذهان من سمعوا به أو قرؤوا شيئا منه، وفي أذهان من يهتزون طربا للمدائح النبوية المنشدة، ولمعانيها البديعة في أيامنا هذه.
وربما تساءل بعض المطلعين حول صحة هذا الادعاء، فللدكتور (زكي مبارك) كتاب بعنوان (المدائح النبوية في الأدب العربي) ، وهو يظهر من عنوانه أنه أوسع وأشمل من عنوان البحث الذي اخترته، وهذا صحيح، فللدكتور مبارك فضل الريادة في هذا الباب، لكنه لم يكن يقصد التأليف في المدائح النبوية، ولم يتوسع في دراستها، وجاء كتابه أقرب إلى التعريف منه إلى الدراسة المستأنية، خلط فيه المديح النبوي مع الشعر الديني باتجاهاته المختلفة. فقد عرضه ضمن دراسة أخرى، ثم فصله عنها كما قال في مقدمة كتابه: «هذا كتاب لم يكن ظهوره في الحسبان، فهو في الأصل باب من كتاب قدمته إلى الجامعة المصرية عن (أثر التصوف في الأدب والأخلاق) ورأت اللجنة المؤلفة بدرسه أن الباب الخاص بالمدائح النبوية خليق بأن يظهر مستقلا عن الأصل بعض الاستقلال» (?) .