وأكد شعراء المديح النبوي أنهم لا يطلبون من مديحهم إلا وجه الله تعالى، وأن مديحهم هذا قد رفعهم إلى مكانة سامية، فقال الطرائفي (?) :

مديح رسول الله أشرف مدحة ... إلّا أنّه الهادي الشّفيع المعظّم (?)

وقال أيضا:

علوت مقاما بامتداحي لسيّدي ... وعلّقت آمالي بتلك المطامع (?)

وقد مدح الشعراء الرسول المختار بإظهار صفاته الكريمة وشمائله الطيبة، ومكانته السامية، وأفعاله الميمونة، وكان حيا بينهم، لكن مدحه صلّى الله عليه وسلّم لم ينقطع بموته، فظل الشعراء يمدحونه إلى يومنا هذا، وكأنه حي يسمع ويجزي، ولم يسم هذا المديح رثاء أو ما يشابه الرثاء.

والسبب في ذلك أن الأدباء خلطوا بين المديح والرثاء، فقالوا: إن الرثاء مدح للميت، ولم يفرق ابن رشيق بين المديح والرثاء إلا بالقرينة، فقال: «ليس بين الرثاء والمدح فرق، إلا أنه يخلط بالرثاء شيء يدل على أن المقصود به ميت، مثل- كان- أو- عدمنا به كيت وكيت- وما يشاكل هذا ليعلم أنه ميت» (?) .

وهذا الفهم للمديح والرثاء يعني أن الرثاء فرع من المديح، وأنه تطور عنه، لكنه لا يقدّم تفسيرا للحرقة واللوعة والحزن، أو البكاء والنحيب، ولا يقتضي التفجع وإظهار الأسى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015