فموقف الإسلام من المديح مرتبط بالغاية من المديح وبصدقه، وليس بمبدأ المديح ذاته، ولذلك هجر الشعراء المسلمون من أغراض الشعر ومعانيه ما لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه، وأبقوا على ما لا يتعارض مع الإسلام، وما يحث على الفضائل والعمل الصالح، ومن ذلك مدح الرسول الكريم وأصحابه.

وقد أبقى الإسلام على الكثير من القيم الجاهلية، ونمّاها، وأكسبها دلالات جديدة تغاير دلالاتها في الجاهلية، فلم تبق الشجاعة والاستبسال في القتال من أجل التباهي والتفاخر والسلب والنهب وإنما أصبحت من أجل رفع كلمة الله، والاستشهاد في سبيله. ولم يبق الكرم للتفاخر وإظهار المقدرة، وإنما أضحى لمساعدة الإخوة في الدين، وللتعبير عن التضامن الاجتماعي، وهكذا. فمديح النبي الكريم في حياته، كان حبا به وإعجابا بشمائله، ونصرة لرسالته، وإن أعطى الرسول صلّى الله عليه وسلّم على مدحه، فإنه استن سنة في أمته. وظلت دوافع المديح النبوي هذه عند الشعراء بعد أن انتقل إلى جوار ربه، وزادت على ذلك، إذا ابتغى الشعراء الأجر والثواب عند الله تعالى، وطلبوا المغفرة والرحمة، وأرادوا أن يقدموا لعصورهم المثل الأعلى للإنسان الكامل، ليقتدوا به، ويتبعوا سنته الغراء، ولإصلاح أوضاع خاطئة في مجتمعاتهم، فظلت دوافع مديحهم له تختلف عن دوافع المديح لسائر الخلق، وخلص لهم الصدق وحرارة العاطفة التي يؤججها الإيمان والحب، ولا يشوبها الرياء وطلب النوال، وقد نصّ على ذلك شعراء المديح النبوي، فقال البرعي:

إذا مدح المدّاح أرباب عصرهم ... مدحت الذي من نوره الكون يبهج

وإن ذكروا ليلى ولبنى فإنّني ... بذكر الحبيب الطّيّب الذّكر ألهج

(?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015